181
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی

وعدّت الغيبة حادثة تتّسع للانتظار والترقّب، ثمّ شرعت بتحليلها.

وأشار الرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله إلى أنّ الغيبة ليست أمراً اعتباطيّاً، بل هي جانب من التدبير الإلهيّ لنظام الإمامة والأُمّة الإسلاميّة، وقد نُبّئ بها في وقت سابق:

لَيَغيبَنَّ القائِمُ مِن وُلدي بِعَهدٍ مَعهودٍ إلَيهِ مِنّي.۱

وأخبر الإمام زين العابدين عليه‏السلام صاحبه أبا خالد الكابليّ بوقوع الغيبة في زمان يضمّ عدداً قليلاً من المؤنين بالإمامة، وقد أعطاهم اللّه‏ من العقل والأفهام والمعرفة ما صار به الإمام الغائب كالظاهر، والغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة.۲

وبيّن الإمام الرضا عليه‏السلام أنّ غيبة الإمام المهديّ عليه‏السلام وطولها بيد اللّه‏ وتقديره، فقال:

يُغَيِّبُهُ اللّه‏ُ في سِترِهِ ما شاءَ.۳

وأشار الإمام الباقر عليه‏السلام أيضاً إلى حتميّة وقوع الغيبة والتخطيط الإلهيّ المسبق لها، فاستشهد بهذه الآية: «إِنْ أَصْبَحَ مَاؤكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ»۴، وأوَّلَها بغيبة صاحب الزمان عليه‏السلام التي لم تقع بعد ولكن لا مفرّ منها، فقال:

ولابُدَّ أن يَجيءَ تَأويلُها.۵

وتدلّ أحاديث أُخرى على أنّ مدّة الغيبة وطولها كأصلها بمشيئة اللّه‏ وتقديره، ولا تتأثّر باستعجال العباد وتنبّؤتهم ورغباتهم. قال الإمام الصادق عليه‏السلام في هذا الصدد:

إنَّ اللّه‏َ لا يَعجَلُ لِعَجَلَةِ العِبادِ، إنَّ لِهذَا الأَمرِ غايَةً يَنتَهي إلَيها، فَلَو قَد بَلَغوها لَم يَستَقدِموا ساعَةً وَلَم يَستَأخِروا.۶

1.. راجع: ص ۱۹۶ ح ۵۰۳ كمال الدين .

2.. راجع: ص ۲۰۱ ح ۵۱۱ كمال الدين.

3.. راجع: ص ۲۰۶ ح ۵۱۹ كمال الدين .

4.. الملك: ۳۰.

5.. راجع: ص ۲۰۳ ح ۵۱۲ كمال الدين .

6.. راجع: ج ۴ ص ۸۸ ح ۹۵۶ الكافي .


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
180

ومن أجل تصديق غيبة الحجّة غير المألوفة وبيان إمكانية تحقّقها، أحالوا على نماذج مشابهة لحجج إلهيّة أُخرى، مثل: العُزَير، ويوسف، وموسى والخضر عليهم‏السلام.۱

واستشهدوا بطول عمر نوح والخضر عليهماالسلام لمواجهة الإنكار الناشئ عن طول عمر الإمام الغائب، فمهّدوا بذلك سبيلاً مستوية للتسليم بغيبته.۲

بالطبع أنّ نشر الوعي هذا ليس كافياً لغيبة طويلة الأمد، وبخاصّة بعد حضور الأئمّة مدّة مئتين وخمسين عاماً، ولهذا عمدوا عليهم‏السلام علاوة على ذلك إلى توضيح مميّزات هذه الغيبة الخاصّة، وقدّموا علامات لتسهل معرفتها والاعتقاد بها.

۲. بيان خصائص الغيبة

لايمكن الوعي الكامل بظاهرة الغيبة غير المألوفة إلاّ عن طريق وقوعها الخارجي، وأمّا عرض بعض خصائصها وتوضيح كيفيّتها، فيمكنه التقليل من غرابتها وتبديلها إلى أمر لا تنأى الأُلفة عنه، وعلى هذا الأساس ذكر الأئمّة عليهم‏السلام عدّة خصائص لمرحلة الغيبة؛ كي لا ينكرها الخلق عند وقوعها، فيتيسّر التصديق بها بتطبيق ما يقع على ما حازوا اطّلاعاً عليه.

واعتبر أهلُ البيت عليهم‏السلام الغيبةَ أمراً إلهيّاً مقدّراً مسبقاً، وليس للصدفة واللاّتخطيط حظّ فيه، بل هي مرحلة جديدة ببداية معيّنة، بيّنوا تماديها الزمنيّ وقسطاً من أحداثها القريبة والبعيدة، وأوصوا بانتظارٍ حكيم للفرج فيها على الرغم من استغراقها لوقت طويل.

أ ـ التقدير المسبق للغيبة

تحتاج الغيبة لتحليل عقلانيّ سليم؛ لاختلافها عن المسيرة المعهودة للإمامة، والتسليم بإسنادها إلى الحكمة الإلهيّة مرتهن بفهم وإدراك عميق لها. واعتبرت بعض أحاديث الرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله والأئمّة عليهم‏السلام التشكيك بغيبة الإمام القائم عليه‏السلام حتميّاً ومستنداً إلى التقدير الإلهيّ،

1.. راجع: ص ۱۲۷ (القسم الثاني / الفصل السادس / ما فيه من خصائص الأنبياء عليهم‏السلام).

2.. راجع: ص ۱۱۷ (القسم الثاني / الفصل الخامس: طول عمر الإمام المهديّ عليه‏السلام).

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14166
صفحه از 518
پرینت  ارسال به