147
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی

لم يكن يعقل أن ينصب اللّه‏ تعالى لقيادة المسلمين طفلاً صغيراً غير مكلّف شرعاً، محجوراً عليه لا يحقّ له التّصرف بأمواله الخاصّة.۱

والشيخ المفيد بكلمته القصيرة الموجزة تلك أزاح الشبهة وردّ عليهم؛ لأنّه ينبغي أوّلاً إثبات إمكانيّة وقوع مثل هذا الأمر من أجل تحقّقه، ثمّ تقام الأدلّة الإثباتيّة على وقوعه في العالم الخارجيّ، حيث بيّن أنّ العقل لايرى أمراً كهذا مستحيلاً، كما أخبر القرآن الكريم بحدوثه في أُمم سابقة، فأوصل اللّه‏ تعالى عيسى ويحيى عليهماالسلام إلى مقام النبوّة والحكم وهما طفلان.

وجميع المسلمين مذعنون بهذه الحقيقة، حتّى أُولئك الثلاثة الذين طرحوا تلك الشبهات يعتقدون بهذا الأمر كمسلمين ومؤنين بالقرآن.

إذن لاشكّ في إمكان وقوعه وتحقّقه بنحو ملموس من منظار دينيّ، ولهذا ينبغي في مقام الإثبات تقديم وثائق قويّة من أجل تحقّقه، وقد ذكرتها الفصول السابقة للكتاب في قسمين:

أحدهما: أصل نظريّة العقيدة المهدويّة كأمر متواتر ومسلّم به لدى المسلمين، حيث نقلته عن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله جميعُ الفرق الإسلاميّة، بما فيهم الشيعة وأهل السنّة.

والآخر: إثبات ولادة الإمام المهديّ عليه‏السلام استناداً إلى شواهد وأدلّة موثّقة يتّفق عليها الشيعة، وارتضاها بعض أهل السنّة.

نعم، لم ينقل أهل السنّة عن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله حديثاً بشأن الإمامة في مرحلة الطفولة، وهناك اختلاف في الأُسس النظريّة بينهم وبين الشيعة.

ومن قالوا بأنّ الطفل محجور عليه من وجهة نظر دينيّة وشرعيّة ولا يمكنه التصرّف بأمواله وممتلكاته، فكيف به وهو يمتلك حقّ التصرّف بشؤن الآخرين والأُمور العامّة؟! فجوابه واضح؛ لأنّ من يقول بالإمامة في مرحلة الطفولة فهو يؤن بأنّ الإمام صغير بجسمه

1.. الإمام المهديّ : ص ۳۲.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
146

فالشيخ المفيد يطرح الإمكانَ العقليّ للإمامة الإلهيّة في مرحلة الطفولة من جهةٍ موضّحاً أنّ العقل لا يراها محالاً، ويبيّن من جهة أُخرى تحقّقها وفقاً لإخبار القرآن الكريم، حيث بلغ النبيّان يحيى وعيسى عليهماالسلام مقام النبوّة في طفولتهما.

أمّا بشأن الإمام المهديّ عليه‏السلام، فأدلّة إثبات أصل وجوده إضافة إلى إثبات ولادته التي طُرحت في الكتابات السابقة، تنتج تحقّق إمامته في الطفولة.

ومع كلّ هذا طعنت بعضُ كتابات المسلمين من أهل السنّة في تحقّق الإمامة في المرحلة المذكورة وأنكرت ذلك، ولعلّ ابن حجر الهيثميّ (ت ۹۷۳ه) أوّل من أشكل على العقيدة المهدويّة في كتابه الصواعق المحرقة، حيث جاء في هذا الصدد:

ثمّ المقرّر في الشريعة المطهّرة أنّ الصغير لا تصحّ ولايته، فكيف ساغ لهؤاء...۱ أن يزعموا إمامة من عمره خمس سنين، وأنّه أُوتي الحكم صبيّاً مع أنّه لم يخبر به، ما ذلك إلاّ مجازفة وجرأة على الشريعة الغرّاء.۲

واقتفى أثَرَه على هذه الشبهة الكاتب المصريّ المعاصر أحمد أمين (۱۸۸۶۱۹۴۵م)، فأشكل على أصل العقيدة المهدويّة وكيفيّة نشأتها في العالم الإسلاميّ، قال:

المفكّر يعجَب لأمرين: أحدهما: تولية الإمام لطفل في الرابعة أو الخامسة من عمره، مع أنّ الإمامة منصب عظيم يشرف على اُمور.

المسلمين، فلابدّ له من رجل ناضج على حمل المسؤوليّة.

والأمر الثاني: دعوى الشيعة في هذا الطفل أنّه خَفيّ لا يظهر،... إنّ دعوى الطفل هذه من صنع الوكلاء طمعاً في المال الّذي يُجبى من سائر الأقطار الإسلاميّة لأَئمّة الشيعة.۳

وطرح القول نفسه أحمد الكاتب بتعبير أزمة الطفولة، فقال:

1.. الجملة المحذوفة إهانة للشيعة وخلاف لأدب الكتابة.

2.. الصواعق المحرقة: ص ۱۶۸.

3.. ضحى الإسلام: ج ۳ ص ۵۲۴.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14664
صفحه از 518
پرینت  ارسال به