وَالجَبابِرَةِ مِنهُم عَلى يَدَيِ القائِمِ مِنّا، ناصَبونَا العَداوَةَ، ووَضَعوا سُيوفَهُم في قَتلِ أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّهِ صلىاللهعليهوآله، وإبادَةِ نَسلِهِ، طَمَعا مِنهُم فِي الوُصولِ إلى قَتلِ القائِمِ عليهالسلام، فَأَبَى اللّهُ أن يَكشِفَ أمرَهُ لِواحِدٍ مِنَ الظَّلَمَةِ، إلاّ أن يُتِمَّ نورَهُ ولَو كَرِهَ المُشرِكونَ.
وأَمّا غَيبَةُ عيسى عليهالسلام، فَإِنَّ اليَهودَ وَالنَّصارَى اتَّفَقَت عَلى أنَّهُ قُتِلَ، فَكَذَّبَهُمُ اللّهُ عز و جل بِقَولِهِ: «وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ»۱.
كَذلِكَ غَيبَةُ القائِمِ، فَإِنَّ الاُمَّةَ سَتُنكِرُها لِطولِها، فَمِن قائِلٍ يَقولُ: إنَّهُ لَم يولَد، وقائِلٍ يَفتري ؛ بِقَولِهِ: إنَّهُ وُلِدَ وماتَ، وقائِلٍ يَكفُرُ ؛ بِقَولِهِ: إنَّ حادِيَ عَشَرَنا كانَ عَقيما، وقائِلٍ يَمرُقُ ؛ بِقَولِهِ: إنَّهُ يَتَعَدّى إلى ثالِثَ عَشَرَ فَصاعِدا، وقائِلٍ يَعصِي اللّهَ ؛ بِدَعواهُ أنَّ روحَ القائِمِ عليهالسلام يَنطِقُ في هَيكَلِ غَيرِهِ.
وأَمّا إبطاءُ نوحٍ عليهالسلام، فَإِنَّهُ لَمَّا استَنزَلَ العُقوبَةَ مِنَ السَّماءِ بَعَثَ اللّهُ إلَيهِ جَبرَئيلَ عليهالسلام مَعَهُ سَبعُ نَوَياتٍ، فَقالَ: يا نَبِيَّ اللّهِ، إنَّ اللّهَ جَلَّ اسمُهُ يَقولُ لَكَ: إنَّ هؤُلاءِ خَلائِقي وعِبادي، لَستُ اُبيدُهُم بِصاعِقَةٍ مِن صَواعِقي إلاّ بَعدَ تَأكيدِ الدَّعوَةِ، وإلزامِ الحُجَّةِ، فَعاوِدِ اجتِهادَكَ فِي الدَّعوَةِ لِقَومِكَ ؛ فَإِنّي مُثيبُكَ عَلَيهِ، وَاغرِس هذَا النَّوى، فَإِنَّ لَكَ في نَباتِها وبُلوغِها وإدراكِها إذا أثمَرَتِ الفَرَجَ وَالخَلاصَ، وبَشِّر بِذلِكَ مَن تَبِعَكَ مِنَ المُؤمِنينَ.
فَلَمّا نَبَتَتِ الأَشجارُ وتَأَزَّرَت۲ وتَسَوَّقَت وأَغصَنَت، وزَهَا الثَّمَرُ عَلَيها بَعدَ زَمانٍ طَويلٍ، استَنجَزَ مِنَ اللّهِ العِدَةَ، فَأَمَرَهُ اللّهُ تَعالى أن يَغرِسَ مِن نَوى تِلكَ الأَشجارِ، ويُعاوِدَ الصَّبرَ وَالاِجتِهادَ، ويُؤَكِّدَ الحُجَّةَ عَلى قَومِهِ، فَأَخبَرَ بِذلِكَ الطَّوائِفَ الَّتي آمَنَت بِهِ، فَارتَدَّ مِنهُم ثَلاثُمِئَةِ رَجُلٍ، وقالوا: لَو كانَ ما يَدَّعيهِ نوحٌ حَقّا لَما وَقَعَ في عِدَتِهِ خُلفٌ.