واحداً بعد واحد أخبارها، حتّى ما منهم أحد إلاّ وقدّم القول فيها، وحقّق كونها، ووصف امتحان اللّه تبارك وتعالى اسمه خلقه بها بما أوجبته قبائح الأفعال ومساوئ الأعمال، والشحّ المطاع، والعاجل الفاني المؤر على الدائم الباقي، والشهوات المتّبعة، والحقوق المضيّعة التي اكتسبت سخط اللّه عزّ وتقدّس، فلم يزل الشكّ والارتياب قادحين في قلوبهم، كما قال أمير المؤنين عليهالسلام في كلامه لكميل بن زياد في صفة طالبي العلم وحملته: «أو منقاداً لأهل الحقّ لا بصيرة له، ينقدح الشكّ في قلبه لأوّل عارض من شبهة حتّى أدّاهم ذلك إلى التيه والحيرة والعمى والضلالة، ولم يبق منهم إلاّ القليل النزر الذين ثبتوا على دين اللّه وتمسّكوا بحبل اللّه، ولم يحيدوا عن صراط اللّه المستقيم.۱
رتّب النعمانيّ كتابه في ۲۶ باباً، وذكر أسناد الأحاديث كاملة، وأشار في المقدّمة بنحو غير مباشر إلى صحّة الأحاديث المنقولة في هذا الكتاب.۲
الكتاب الثاني: كمال الدين للشيخ الصدوق، الذي ذكر في مقدّمته ثلاثة دوافع لكتابته، أحدها: مواجهة حيرة الشيعة في نيشابور بشأن قضيّة إمام العصر، وثانيها: لقاؤ لنجم الدين أبي سعيد محمّد بن حسن بن الصلت القمّي ؛ وهو من أُسرة شيعية كبيرة، قدم مدينة قم من بخارى، وتحيّر في طول غيبة الإمام بعد سماعه أقوال كبار علماء الفلسفة والمنطق، وثالثها: رؤته للإمام المهديّ عليهالسلام في عالم الرؤا وقد أمره بتأليف كتاب في باب الغيبة.۳
1.. الغيبة للنعماني : ص ۲۰.
2.. قال في مقدّمة كتابه : «وإذا تأمّل من وهب اللّه تعالى له حسن الصورة، وفتح مسامع قلبه، ومنحه جودة القريحة، وأتحفه بالفهم وصحّة الرواية بما جاء عن الهداة الطاهرين صلوات اللّه عليهم على قديم الأيّام وحديثها من الروايات المتّصلة فيها، الموجبة لحدوثها، المقتضية لكونها ممّا قد أوردناه في هذا الكتاب حديثاً حديثاً، وروي فيه، وفكّر فكراً ممعناً، ولم يجعل قراءته ونظره فيه صفحاً دون شافي التأمّل، ولم يطمح ببصره عن حديث منها يشبه ما تقدّمه دون إمعان النظر فيه والتبيين له، ولما يحوي من زيادة المعاني بلفظة من كلام الإمام عليهالسلامبحسب ما حمله واحد من الرواة عنه، علم أنّ هذه الغيبة لو لم تكن ولم تحدث مع ذلك ومع ما روي على مرّ الدهور فيها، لكان مذهب الإمامة باطلاً» (الغيبة للنعماني: ص ۲۴) .
3.. راجع: ج ۳ ص۴۰۹ ح ۸۶۱ الشيخ الصدوق.