فَلَمَّا استَيقَظتُ مِن نَومي أشفَقتُ أن أقُصَّ هذِهِ الرُّؤيا عَلى أبي وجَدّي مَخافَةَ القَتلِ، فَكُنتُ اُسِرُّها في نَفسي ولا اُبديها لَهُم، وضَرَبَ صَدري بِمَحَبَّةِ أبي مُحَمَّدٍ حَتَّى امتَنَعتُ مِنَ الطَّعامِ وَالشَّرابِ، وضَعُفَت نَفسي، ودَقَّ شَخصي، ومَرِضتُ مَرَضا شَديدا، فَما بَقِيَ مِن مَدائِنِ الرُّومِ طَبيبٌ إلاّ أحضَرَهُ جَدّي وسَأَلَهُ عَن دَوائي. فَلَمّا بَرِحَ بِهِ اليَأسُ، قالَ: يا قُرَّةَ عَيني، فَهَل تَخطُرُ بِبالِكِ شَهوَةٌ فَاُزَوِّدَكِها في هذِهِ الدُّنيا ؟
فَقُلتُ: يا جَدّي، أرى أبوابَ الفَرَجِ عَلَيَّ مُغَلَّقَةً، فَلَو كَشَفتَ العَذابَ عَمَّن في سِجنِكَ مِن اُسارَى المُسلِمينَ، وفَكَكتَ عَنهُمُ الأَغلالَ، وتَصَدَّقتَ عَلَيهِم، ومَنَنتَهُم بِالخَلاصِ لَرَجَوتُ أن يَهَبَ المَسيحُ واُمُّهُ لي عافِيَةً وشِفاءً.
فَلَمّا فَعَلَ ذلِكَ جَدّي تَجَلَّدتُ في إظهارِ الصِّحَّةِ في بَدَني، وتَناوَلتُ يَسيرا مِنَ الطَّعامِ، فَسُرَّ بِذلِكَ جَدّي وأَقبَلَ عَلى إكرامِ الاُسارى وإعزازِهِم، فَرَأَيتُ أيضا بَعدَ أربَعِ لَيالٍ كَأَنَّ سَيِّدَةَ النِّساءِ قَد زارَتني، ومَعَها مَريَمُ بِنتُ عِمرانَ وأَلفُ وَصيفَةٍ مِن وَصائِفِ الجِنانِ، فَتَقولُ لي مَريَمُ: هذِهِ سَيِّدَةُ النِّساءِ اُمُّ زَوجِكِ أبي مُحَمَّدٍ عليهالسلام، فَأَتَعَلَّقُ بِها وأَبكي وأَشكو إلَيها امتِناعَ أبي مُحَمَّدٍ مِن زِيارَتي.
فَقالَت لي سَيِّدَةُ النِّساءِ عليهاالسلام: إنَّ ابني أبا مُحَمَّدٍ لا يَزورُكِ وأَنتِ مُشرِكَةٌ بِاللّهِ وعَلى مَذهَبِ النَّصارى، وهذِهِ اُختي مَريَمُ تَبرَأُ إلَى اللّهِ تَعالى مِن دينِكِ، فَإِن مِلتِ إلى رِضَا اللّهِ عز و جل، ورِضَا المَسيحِ ومَريَمَ عَنكِ، وزِيارَةِ أبي مُحَمَّدٍ إيّاكِ، فَتقولي: أشهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللّهُ وأَشهَدُ أنَّ ـ أبي ـ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ، فَلَمّا تَكَلَّمتُ بِهذِهِ الكَلِمَةِ ضَمَّتني سَيِّدَةُ النِّساءِ إلى صَدرِها فَطَيَّبَت لي نَفسي، وقالَت: الآنَ تَوَقَّعي زِيارَةَ أبي مُحَمَّدٍ إيّاكِ، فَإِنّي مُنفِذَتُهُ۱ إلَيكِ. فَانتَبَهتُ وأَنَا أقولُ: وَاشَوقاه إلى لِقاءِ أبي مُحَمَّدٍ.