455
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

فَلَمَّا استَيقَظتُ مِن نَومي أشفَقتُ أن أقُصَّ هذِهِ الرُّؤيا عَلى أبي وجَدّي مَخافَةَ القَتلِ، فَكُنتُ اُسِرُّها في نَفسي ولا اُبديها لَهُم، وضَرَبَ صَدري بِمَحَبَّةِ أبي مُحَمَّدٍ حَتَّى امتَنَعتُ مِنَ الطَّعامِ وَالشَّرابِ، وضَعُفَت نَفسي، ودَقَّ شَخصي، ومَرِضتُ مَرَضا شَديدا، فَما بَقِيَ مِن مَدائِنِ الرُّومِ طَبيبٌ إلاّ أحضَرَهُ جَدّي وسَأَلَهُ عَن دَوائي. فَلَمّا بَرِحَ بِهِ اليَأسُ، قالَ: يا قُرَّةَ عَيني، فَهَل تَخطُرُ بِبالِكِ شَهوَةٌ فَاُزَوِّدَكِها في هذِهِ الدُّنيا ؟
فَقُلتُ: يا جَدّي، أرى أبوابَ الفَرَجِ عَلَيَّ مُغَلَّقَةً، فَلَو كَشَفتَ العَذابَ عَمَّن في سِجنِكَ مِن اُسارَى المُسلِمينَ، وفَكَكتَ عَنهُمُ الأَغلالَ، وتَصَدَّقتَ عَلَيهِم، ومَنَنتَهُم بِالخَلاصِ لَرَجَوتُ أن يَهَبَ المَسيحُ واُمُّهُ لي عافِيَةً وشِفاءً.
فَلَمّا فَعَلَ ذلِكَ جَدّي تَجَلَّدتُ في إظهارِ الصِّحَّةِ في بَدَني، وتَناوَلتُ يَسيرا مِنَ الطَّعامِ، فَسُرَّ بِذلِكَ جَدّي وأَقبَلَ عَلى إكرامِ الاُسارى وإعزازِهِم، فَرَأَيتُ أيضا بَعدَ أربَعِ لَيالٍ كَأَنَّ سَيِّدَةَ النِّساءِ قَد زارَتني، ومَعَها مَريَمُ بِنتُ عِمرانَ وأَلفُ وَصيفَةٍ مِن وَصائِفِ الجِنانِ، فَتَقولُ لي مَريَمُ: هذِهِ سَيِّدَةُ النِّساءِ اُمُّ زَوجِكِ أبي مُحَمَّدٍ عليه‏السلام، فَأَتَعَلَّقُ بِها وأَبكي وأَشكو إلَيها امتِناعَ أبي مُحَمَّدٍ مِن زِيارَتي.
فَقالَت لي سَيِّدَةُ النِّساءِ عليهاالسلام: إنَّ ابني أبا مُحَمَّدٍ لا يَزورُكِ وأَنتِ مُشرِكَةٌ بِاللّه‏ِ وعَلى مَذهَبِ النَّصارى، وهذِهِ اُختي مَريَمُ تَبرَأُ إلَى اللّه‏ِ تَعالى مِن دينِكِ، فَإِن مِلتِ إلى رِضَا اللّه‏ِ عز و جل، ورِضَا المَسيحِ ومَريَمَ عَنكِ، وزِيارَةِ أبي مُحَمَّدٍ إيّاكِ، فَتقولي: أشهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللّه‏ُ وأَشهَدُ أنَّ ـ أبي ـ مُحَمَّدا رَسولُ اللّه‏ِ، فَلَمّا تَكَلَّمتُ بِهذِهِ الكَلِمَةِ ضَمَّتني سَيِّدَةُ النِّساءِ إلى صَدرِها فَطَيَّبَت لي نَفسي، وقالَت: الآنَ تَوَقَّعي زِيارَةَ أبي مُحَمَّدٍ إيّاكِ، فَإِنّي مُنفِذَتُهُ۱ إلَيكِ. فَانتَبَهتُ وأَنَا أقولُ: وَاشَوقاه إلى لِقاءِ أبي مُحَمَّدٍ.

1.. في المصدر : «منفذه» ، والتصويب من المصادر الاُخرى .


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
454

عَرشا مَسوغا مِن أصنافِ الجَواهِرِ إلى صَحنِ القَصرِ فَرَفَعَهُ فَوقَ أربَعينَ مِرقاةً، فَلَمّا صَعِدَ ابنُ أخيهِ وأَحدَقَت بِهِ الصُّلبانُ وقامَتِ الأَساقِفَةُ عُكَّفا ونُشِرَت أسفارُ الإِنجيلِ، تَسافَلَتِ الصُّلبانُ مِنَ الأَعالي فَلَصِقَت بِالأَرضِ، وتَقَوَّضَتِ الأَعمِدَةُ فَانهارَت إلَى القَرارِ، وخَرَّ الصّاعِدُ مِنَ العَرشِ مَغشِيّا عَلَيهِ، فَتَغَيَّرت ألوانُ الأَساقِفَةِ، وَارتَعَدَت فَرائِصُهُم۱. فَقالَ كَبيرُهُم لِجَدّي: أيُّهَا المَلِكُ، أعفِنا مِن مُلاقاةِ هذِهِ النُّحوسِ الدّالَّةِ عَلى زَوالِ هذَا الدّينِ المَسيحِيِّ، وَالمَذهَبِ المَلِكانِيِّ۲ فَتَطَيَّرَ جَدّي مِن ذلِكَ تَطَيُّرا شَديدا، وقالَ لِلأَساقِفَةِ: أقيموا هذِهِ الأَعمِدَةَ، وَارفَعُوا الصُّلبانَ، وَأَحضِروا أخا هذَا المُدَبَرِ العاثِرِ المَنكوسِ جَدُّهُ، لاُِزَوِّجَ مِنهُ هذِهِ الصَّبِيَّةَ فَيَدفَعَ نُحوسَهُ عَنكُم بِسُعودِهِ، فَلَمّا فَعَلوا ذلِكَ حَدَثَ عَلَى الثّاني ما حَدَثَ عَلَى الأَوَّلِ، وتَفَرَّقَ النّاسُ، وقامَ جَدّي قَيصَرُ مُغتَمّا ودَخَلَ قَصرَهُ واُرخِيَتِ السُّتورُ.
فَاُريتُ في تِلكَ اللَّيلَةِ كَأَنَّ المَسيحَ وَالشَّمعونَ۳ وعِدَّةً مِنَ الحَوارِيّينَ قَدِ اجتَمَعوا في قَصرِ جَدّي، ونَصَبوا فيهِ مِنبَرا يُبارِي السَّماءَ عُلُوّا وَارتِفاعا فِي المَوضِعِ الَّذي كانَ جَدّي نَصَبَ فيهِ عَرشَهُ، فَدَخَلَ عَلَيهِم مُحَمَّدٌ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله مَعَ فِتيَةٍ وعِدَّةٍ مِن بَنيهِ، فَيَقومُ إلَيهِ المَسيحُ فَيَعتَنِقُهُ، فَيَقولُ: يا روحَ اللّه‏ِ إنّي جِئتُكَ خاطِبا مِن وَصِيِّكَ شَمعونَ فَتاتَهُ مَليكَةَ لاِبني هذا، وأَومَأَ بِيَدِهِ إلى أبي مُحَمَّدِ [ابنِ۴] صاحِبِ هذَا الكِتابِ.
فَنَظَرَ المَسيحُ إلى شَمعونَ فَقالَ لَهُ: قَد أتاكَ الشَّرَفُ فَصِل رَحِمَكَ بِرَحِمِ رَسولِ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، قالَ: قَد فَعَلتُ، فَصَعِدَ ذلِكَ المِنبَرَ وخَطَبَ مُحَمَّدٌ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، وزَوَّجَني، وشَهِدَ المَسيحُ عليه‏السلام وشَهِدَ بَنو مُحَمَّدٍ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وَالحَوارِيّونَ.

1.. تَرعُدُ فرائصه : أي ترجف من الخوف النهاية : ج ۳ ص ۴۳۲ «فرص» .

2.. من فرق النصارى .

3.. في المصادر الاُخرى : «شمعون» بدل «الشمعون» .

4.. ما بين المعقوفين أثبتناه من الغيبة للطوسي ودلائل الإمامة .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15823
صفحه از 485
پرینت  ارسال به