453
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

الأَشرافِ كَتَبَهُ بِلُغَةٍ رومِيَّةٍ وخَطٍّ رومِيٍّ، ووَصَفَ فيهِ كَرَمَهُ ووَفاهُ ونُبلَهُ وسَخاءَهُ، فَناوِلها لِتَتَأَمَّلَ مِنهُ أخلاقَ صاحِبِهِ، فَإِن مالَت إلَيهِ ورَضِيَتهُ، فَأَنَا وَكيلُهُ فِي ابتِياعِها مِنكَ.
قالَ بِشرُ بنُ سُلَيمانَ النَّخّاسُ: فَامتَثَلتُ جَميعَ ما حَدَّهُ لي مَولايَ أبُو الحَسَنِ عليه‏السلام في أمرِ الجارِيَةِ، فَلَمّا نَظَرَت فِي الكِتابِ بَكَت بُكاءً شَديدا، وقالَت لِعُمَرَ بنِ يَزيدَ النَّخّاسِ: بِعني مِن صاحِبِ هذَا الكِتابِ، وحَلَفَت بِالمُحَرِّجَةِ وَالمُغَلَّظَةِ إنَّهُ مَتَى امتَنَعَ مِن بَيعِها مِنهُ قَتَلَت نَفسَها.
فَما زِلتُ اُشاحُّهُ في ثَمَنِها حَتَّى استَقَرَّ الأَمرُ فيهِ عَلى مِقدارِ ما كانَ أصحَبَنيهِ مَولايَ عليه‏السلام مِنَ الدَّنانيرِ فِي الشستقَةِ الصَّفراءِ، فَاستَوفاهُ مِنّي وتَسَلَّمتُ مِنهُ الجارِيَةَ ضاحِكَةً مُستَبشِرَةً، وَانصَرَفتُ بِها إلى حُجرَتِيَ الَّتي كُنتُ آوي إلَيها بِبَغدادَ، فَما أخَذَهَا القَرارُ حَتّى أخرَجَت كِتابَ مَولاها عليه‏السلام مَن جَيبِها، وهِيَ تَلثِمُهُ وتَضَعُهُ عَلى خَدِّها وتُطبِقُهُ عَلى جَفنِها، وتَمسَحُهُ عَلى بَدَنِها.
فَقُلتُ تَعَجُّبا مِنها: أتَلثِمينَ كِتابا ولا تَعرِفينَ صاحِبَهُ ؟! قالَت: أيُّهَا العاجِزُ الضَّعيفُ المَعرِفَةِ بِمَحَلِّ أولادِ الأَنبِياءِ، أعِرني سَمعَكَ وفَرِّغ لي قَلبَكَ: أنَا مَليكَةُ بِنتُ يشوعَا بنِ قَيصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، واُمّي مِن وُلدِ الحَوارِيّينَ تُنسَبُ إلى وَصِيِّ المَسيحِ شَمعونَ، اُنبِئُكَ العَجَبَ العَجيبَ: إنَّ جَدّي قَيصَرَ أرادَ أن يُزَوِّجَني مِنِ ابنِ أخيهِ وأَنَا مِن بَناتِ ثَلاثَ عَشرَةَ سَنَةً، فَجَمَعَ في قَصرِهِ مِن نَسلِ الحَوارِيّينَ ومِنَ القِسّيسينَ وَالرُّهبانِ ثَلاثَمِئَةِ رَجُلٍ، ومِن ذَوِي الأَخطارِ سَبعَمِئَةِ رَجُلٍ، وجَمَعَ مِن اُمراءِ الأَجنادِ وقُوّادِ العَساكِرِ ونُقَباءِ۱ الجُيوشِ ومُلوكِ العَشائِرِ أربَعَةَ آلافٍ، وأَبرَزَ مِن بَهوِ۲ مُلكِهِ

1.. النَّقيبُ : العريف على القوم ، المقدّم عليهم الذي يتعرّف أخبارهم النهاية : ج ۵ ص ۱۰۱ «نقب» .

2.. أصل البَهوِ : السِّعَةُ لسان العرب : ج ۱۴ ص ۹۸ «بهو» .


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
452

فَأَنتُم ثِقاتُنا أهلَ البَيتِ، وإنّي مُزَكّيكَ ومُشَرِّفُكَ بِفَضيلَةٍ تَسبِقُ بِها شَأوَ۱ الشّيعَةِ فِي المُوالاةِ بِها، بِسِرٍّ اُطلِعُكَ عَلَيهِ واُنفِذُكَ فِي ابتِياعِ أمَةٍ. فَكَتَبَ كِتابا مُلصَقا بِخَطٍّ رومِيٍّ ولُغَةٍ رومِيَّةٍ، وطَبَعَ عَلَيهِ بِخاتَمِهِ، وأَخرَجَ شستقة۲ صَفراءَ فيها مِئَتانِ وعِشرونَ دينارا فَقالَ:
خُذها وتَوَجَّه بِها إلى بَغدادَ، وَاحضُر مَعبَرَ الفُراتِ ضَحوَةَ كَذا، فَإِذا وَصَلَت إلى جانِبِكَ زَواريقُ السَّبايا، وبَرَزنَ الجَواري مِنها، فَسَتُحدِقُ۳ بِهِم طَوائِفُ المُبتاعينَ مِن وُكَلاءِ قُوّادِ بَنِي العَبّاسِ، وشَراذِمُ مِن فِتيانِ العِراقِ، فَإِذا رَأَيتَ ذلِكَ فَأَشرِف مِنَ البُعدِ عَلَى المُسَمّى عُمَرَ بنِ يَزيدَ النَّخّاسِ عامَّةَ نَهارِكَ، إلى أن يُبرِزَ لِلمُبتاعينَ جارِيَةً صِفَتُها كَذا وكَذا، لابِسَةً حَريرَتَينِ صَفيقَتَينِ۴، تَمتَنِعُ مِنَ السُّفورِ ولَمسِ المُعتَرِضِ، وَالاِنقِيادِ لِمَن يُحاوِلُ لَمسَها ويَشغَلُ نَظَرَهُ بِتَأَمُّلِ مَكاشِفِها مِن وَراءِ السِّترِ الرَّقيقِ، فَيَضرِبُهَا النَّخّاسُ فَتَصرُخُ صَرخَةً رومِيَّةً، فَاعلَم أنَّها تَقولُ: وا هَتكَ سِتراه.
فَيَقولُ بَعضُ المُبتاعينَ: عَلَيَّ بِثَلاثِمِئَةِ دينارٍ، فَقَد زادَنِي العَفافُ فيها رَغبَةً. فَتَقولُ بِالعَرَبِيَّةِ: لَو بَرَزتَ في زِيِّ سُلَيمانَ، وعَلى مِثلِ سَريرِ مُلكِهِ، ما بَدَت لي فيكَ رَغبَةٌ فَأَشفِق عَلى مالِك، فَيَقولُ النَخّاسُ: فَمَا الحيلَةُ، ولا بُدَّ مِن بَيعِكِ ؟ فَتَقولُ الجارِيَةُ: ومَا العَجَلَةُ ولا بُدَّ مِنِ اختِيارِ مُبتاعٍ يَسكُنُ قَلبي إلَيهِ و إلى أمانَتِهِ ودِيانَتِهِ ؟
فَعِندَ ذلِكَ قُم إلى عُمَرَ بنِ يَزيدَ النَّخّاسِ وقُل لَهُ: إنَّ مَعي كِتابا مُلصَقا لِبَعضِ

1.. الشَّأْوُ : الغاية والأمَد . وَالشَّأْوُ : السَّبق ؛ شَأوتُ القومَ شَأْوا : سبقتهم لسان العرب : ج ۱۴ ص ۴۱۷ «شأى» . وفي روضة الواعظين «سائر» ، وفي دلائل الإمامة «سوابق» بدل «شأو» .

2.. في الغيبة للطوسي «شُقيقة» بدل «سشتقة» ، وهو تصغير شِقّة ، وهو ما شُقّ من ثوب ونحوه .

3.. أحدَقَ القوم بالبلد : أحاطوا به المصباح المنير : ص ۱۲۵ «حدق» .

4.. ثَوبٌ صَفِيقٌ : أي مَتين ، جيّد النسج ، وقد صَفُقَ : كَتُفَ نسجه لسان العرب : ج ۱۰ ص ۲۰۴ «صفق» .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15870
صفحه از 485
پرینت  ارسال به