451
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

طَلَبِ العِلمِ، وقَد قَرَعَ سَمعي مِن هذَا الشَّيخِ لَفظٌ يَدُلُّ عَلى عِلمٍ جَسيمٍ وأَثَرٍ عَظيمٍ، فَقُلتُ: أيُّهَا الشَّيخُ، ومَنِ السَّيِّدانِ ؟ قالَ: النَّجمانِ المُغَيَّبانِ فِي الثَّرى بِسُرَّ مَن رَأى، فَقُلتُ: إنّي اُقسِمُ بِالمُوالاةِ، وشَرَفِ مَحَلِّ هذَينِ السَّيِّدَينِ مِنَ الإِمامَةِ وَالوِراثَةِ، إنّي خاطِبٌ عِلمَهُما، وطالِبٌ آثارَهُما، وباذِلٌ مِن نَفسِي الأَيمانَ المُؤَكَّدَةَ عَلى حِفظِ أسرارِهِما.
قالَ: إن كُنتَ صادِقا فيما تَقولُ، فَأَحضِر ما صَحِبَكَ مِنَ الآثارِ عَن نَقَلَةِ أخبارِهِم، فَلَمّا فَتَّشَ الكُتُبَ وتَصَفَّحَ الرِّواياتِ مِنها، قالَ: صَدَقتَ، أنَا بِشرُ بنُ سُلَيمانَ النَّخّاسُ۱ مِن وُلدِ أبي أيّوبَ الأَنصارِيِّ، أحَدُ مَوالي أبِي الحَسَنِ وأَبي مُحَمَّدٍ عليهماالسلام، وجارُهُما بِسُرَّ مَن رَأى، قُلتُ: فَأَكرِم أخاكَ بِبَعضِ ما شاهَدتَ مِن آثارِهِما، قالَ:
كانَ مَولانا أبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَسكَرِيُّ عليه‏السلام فَقَّهَني في أمرِ الرَّقيقِ، فَكُنتُ لا أبتاعُ ولا أبيعُ إلاّ بِإِذنِهِ، فَاجتَنَبتُ بِذلِكَ مَوارِدَ الشُّبُهاتِ حَتّى كَمَلَت مَعرِفَتي فيهِ، فَأَحسَنتُ الفَرقَ فيما بَينَ الحَلالِ وَالحَرامِ.
فَبَينَما أنَا ذاتَ لَيلَةٍ في مَنزِلي بِسُرَّ مَن رَأى وقَد مَضى هَوِيٌّ۲ مِنَ اللَّيلِ، إذ قَرَعَ البابَ قارِعٌ، فَعَدَوتُ مُسرِعا، فَإِذا أنَا بِكافورٍ الخادِمِ رَسولِ مَولانا أبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ عليه‏السلام يَدعوني إلَيهِ، فَلَبِستُ ثِيابي ودَخَلتُ عَلَيهِ، فَرَأَيتُهُ يُحَدِّثُ ابنَهُ أبا مُحَمَّدٍ واُختَهُ حَكيمَةَ مِن وَراءِ السِّترِ، فَلَمّا جَلَستُ قالَ:
يا بِشرُ، إنَّكَ مِن وُلدِ الأَنصارِ وهذِهِ الوَلايَةُ لَم تَزَل فيكُم يَرِثُها خَلَفٌ عَن سَلَفٍ،

1.. النخَّاسُ : هو دلاّل الدوابِّ والرقيق مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۷۶۲ «نخس» .

2.. الهَوِىُّ من الليل : الحين الطويل من الزمان النهاية : ج ۵ ص ۲۸۵ «هوا» .


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
450

إلَيها ؟ فَقالَ:
إنّي ما نَظَرتُ إلَيها إلاّ مُتَعَجِّبا. أما إنَّ المَولودَ الكَريمَ عَلَى اللّه‏ِ تَعالى يَكونُ مِنها، ثُمَّ أمَرَها أن تَستَأذِنَ أبَا الحَسَنِ عليه‏السلام في دَفعِها إلَيهِ، فَفَعَلَت فَأَمَرَها بِذلِكَ۱.۲

۳۲۳.كمال الدين: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حاتِمٍ النَّوفَلِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو العَبّاسِ أحمَدُ بنُ عيسَى الوَشّاءُ البَغدادِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أحمَدُ بنُ طاهِرٍ القُمِّيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو الحُسَينِ مُحَمَّدُ بنُ بَحرٍ الشَّيبانِيُّ، قالَ:
وَرَدتُ كَربلاء سَنَةَ سِتٍّ وثَمانينَ ومِئَتَينِ، قالَ: وزُرتُ قَبرَ غَريبِ رَسولِ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، ثُمَّ انكَفَأتُ إلى مَدينَةِ السَّلامِ مُتَوَجِّها إلى مَقابِرِ قُرَيشٍ، في وَقتٍ قَد تَضَرَّمَتِ۳ الهَواجِرُ۴، وتَوَقَّدَتِ السَّمائِمُ، فَلَمّا وَصَلتُ مِنها إلى مَشهَدِ الكاظِمِ عليه‏السلام، وَاستَنشَقتُ نَسيمَ تُربَتِهِ المَغمورَةِ مِنَ الرَّحمَةِ، المَحفوفَةِ بِحَدائِقِ الغُفرانِ، أكبَبتُ عَلَيها بِعَبَراتٍ مُتَقاطِرَةٍ وزَفَراتٍ مُتَتابِعَةٍ، وقَد حَجَبَ الدَّمعُ طَرفي عَنِ النَّظَرِ.
فَلَمّا رَقَأَتِ العَبرَةُ وَانقَطَعَ النَّحيبُ، فَتَحتُ بَصَري فَإِذا أنَا بِشَيخٍ قَدِ انحَنى صُلبُهُ، وتَقَوَّسَ مَنكِباهُ، وثَفِنَت جَبهَتُهُ وراحَتاهُ، وهُوَ يَقولُ لاِخَرَ مَعَهُ عِندَ القَبرِ:
يَابنَ أخي، لَقَد نالَ عَمُّكَ شَرَفا بِما حَمَّلَهُ السَّيِّدانِ مِن غَوامِضِ الغُيوبِ، وشَرائِفِ العُلومِ الَّتي لَم يَحمِل مِثلَها إلاّ سَلمانُ، وقَد أشرَفَ عَمُّكَ عَلَى استِكمالِ المُدَّةِ وَانقِضاءِ العُمُرِ، ولَيسَ يَجِدُ في أهلِ الوَلايَةِ رَجُلاً يُفضي إلَيهِ بِسِرِّهِ.
قُلتُ: يا نَفسُ، لا يَزالُ العَناءُ وَالمَشَقَّةُ يَنالانِ مِنكِ بِإِتعابِيَ الخُفَّ وَالحافِرَ في

1.. وفي عيون المعجزات : «قرأت في كتب كثيرة بروايات كثيرة صحيحة : أنّه كان لحكيمة بنت أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه‏السلامجارية ولدت في بيتها وربّتها ...» .

2.. الغيبة للطوسي: ص ۲۴۴ ح ۲۱۰ ، عيون المعجزات : ص ۱۳۸ ، بحار الأنوار : ج ۵۱ ص ۲۲ ح ۲۹ .

3.. ضَرَمَت النّار وتضرّمت : التهبت المصباح المنير : ص ۳۶۱ «ضرم» .

4.. الهاجِرَةُ : اشتدادُ الحَرِّ نصف النهار النهاية : ج ۵ ص ۲۴۶ «هجر» .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15935
صفحه از 485
پرینت  ارسال به