363
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

الإسلام وأهل بيت الرسول ـ مصداقاً للإمام في حديث: «مَن ماتَ بغَير إمامٍ»، وعدم إطاعته توجب الكفر والارتداد، فقد نقلوا أنّه بعد واقعة كربلاء المفجعة ثار أهل المدينة سنة ۶۳ للهجرة وانتهت ثورتهم بوقعة الحرّة، فذهب عبد اللّه‏ بن عمر إلى عبد اللّه‏ بن مطيع ـ الذي تولّى قيادة قريش في حركتهم ضدّ يزيد ـ فأمر له بوسادة ودعاه للجلوس، فقال ابن عمر: ما جئت لأجلس، بل لأقرأ على مسامعك حديثاً سمعته عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، سمعت النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يقول:

مَن خَلَعَ يَداً مِن طاعَةٍ لَقِيَ اللّه‏َ يَومَ القِيامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، ومَن ماتَ ولَيسَ في عُنُقِهِ بَيعَةٌ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً.۱

انظروا كيف يجيدون الاستشهاد بكلام رسول اللّه‏ فيما يخالف قصده ! وهذه هي الظاهرة الخطرة التي حذّر منها النبيّ في هذا الحديث وعشرات الأحاديث الأُخرى ليجتنبوها، ودعا الناس لإطاعة أئمّة الحقّ، فحرّفت أيادي اللاّعبين بالسياسة والمتظاهرين بالإسلام تحذيرات النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، وهكذا استغلّوا الحديث ضدّ الحديث، والإسلام ضدّ الإسلام، وسينقضي في آخر المطاف عصر العلم والإسلام في الأُمّة الإسلاميّة، وتتحقّق الضلالة والعودة إلى الجاهليّة بتجاهل منزلة الإمامة في المجتمع الإسلاميّ، وإيداع توصيات النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أدراج النسيان.

وبناء عليه، سيكون القصد ـ بلا شكّ ـ من الأحاديث الناصّة على أنّ الموت بدون معرفة الإمام موتاً جاهليّاً۲، هو التخويف من عدم التمسّك بولاية أهل البيت عليهم‏السلام التي بيّنت ضرورتها للناس أحاديث كالثقلين والغدير ومئات الأحاديث الأُخرى.

1.. راجع: ص۳۵۵ ح ۱۹۰ .

2.. «مَن ماتَ وَ لَم يَعرِف إمامَ زَمانِهِ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً» راجع: ص ۴۳۸ ح ۳۰۵ .


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
362

سيغنينا من الإجابة عن هذا السؤل: إمامة أيّ إمام تضمن استمرار الإسلام الحقيقيّ؟ وإزالة إيّ إمامة من المجتمع تعيده إلى مصافّ الجاهلية؟

هل يُعقل أن يكون ماعناه النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: هو أنّ معرفة واتّباع أيّ شخص يتولّى زمام أُمور المجتمع، واجب و ضروريّ على جميع المسلمين، ومن لم يعرف مثل هذا القائد مات ميتة جاهليّة، من دون الالتفات إلى احتمال كونه ظالماً أو ممّن يصفهم القرآن: «أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ»۱ ؟!

بديهي أنّ جميع الحكّام الفاسدين في التاريخ الإسلاميّ استندوا إلى هذا الحديث لإثبات أحقّيتهم ووجوب إطاعتهم على الشعب وتقوية أركان حكومتهم، ولهذا نرى أنّ معاوية بن أبي سفيان أيضاً عُدّ من رواة هذا الحديث.۲

وكذلك من الطبيعيّ أن يفسّر وعّاظ السلاطين حديث رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله بالدافع نفسه ويطبّقونه على أئمّة الجور، وما هو إلاّ تلاعب بالألفاظ، وليس من باب الخلل في الفكر أو سوء الفهم لمعنى الحديث كما هو واضح.

فلا يمكن أن نصدّق أبداً أنّ عبد اللّه‏ بن عمر ـ كما جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ـ لم يبايع الإمام عليّاً عليه‏السلام بسبب سوء فهمه ووهن بصيرته، ولكنّه يسعى ليلاً للقاء الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ليبايع الحاكم في ذلك الوقت عبد الملك بن مروان تمسّكاً بالحديث الذي نقله بنفسه: «مَن ماتَ بغَير إمام»؛ لكيلا يطلع عليه الصبح وهو بليلة ليس له فيها إمام !

نعم، من لايعتقد بأنّ أمير المؤنين عليّاً عليه‏السلام إماماً ولا يبايعه، يجب أن يؤن بأنّ عبد الملك بن مروان إمام تستلزم ترك بيعته الرجوع إلى الجاهليّة، ويجب عليه أيضاً أن يبايع ليلاً بذاك الذلّ والاحتقار قدمي عامله السفّاك الحجّاج بن يوسف الثقفيّ!

لقد وصل الأمر بعبد اللّه‏ بن عمر إلى أن يرى يزيد بن معاوية ـ بكلّ جرائمه في حقّ

1.. القصص: ۴۱.

2.. راجع: ص ۳۵۵ ح ۱۹۱ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15773
صفحه از 485
پرینت  ارسال به