361
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

وكان رسولُ اللّه‏ يعرّف نبوّته كظاهرة متوافقة مع المعايير العقليّة والعلميّة، بحيث لو توفّر العلماء على معرفتها للمسوا بيسرٍ صِدقه في اتّصاله بخالق الكون:

«وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ».۱

كما حذّر النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله الناسَ من اتّباع كلّ ما لم يوافق عليه العلم، وتلا عليهم هذه الآية:

«وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ».۲

يتّضح من هذه المقدّمة أنّ المراد من حديث ضرورة معرفة إمام كلّ زمان، أبعد من كونه مسألة شخصيّة، أو مجرّد أنّ المسلم الذي لايعرف إمامه ضالّ وليس مسلماً حقيقيّاً، بل الأمر الأهمّ هو أنّ هذا الحديث يحذّر من أنّ عصر العلم الذي بدأ ببعثة رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله لايستمرّ إلاّ بوجود تلك المعرفة المذكورة. وبعبارة أُخرى: إنّ الإمامة تحافظ على عصر العلم أو عصر الإسلام الحقيقيّ وتضمن استمراره، وسيعود المجتمع الإسلاميّ أدراجه إلى ما قبل الإسلام لو فُقدت تلك الحماية والدعم.

لقد استلهم الحديث الرؤة القرآنيّة المستقبليّة في هذه الآية:

«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ».۳

وخلال حديثٍ لرسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أكّد فيه ضرورة معرفة الإمام۴، بيّن كيف يمكن للمجتمع الإسلاميّ التراجع إلى عصر جاهليّة ما قبل الإسلام، وكلام النبيّ يبيّن هذه الحقيقة؛ وهي التنبّؤ بهذه الظاهرة الخطرة عند إزالة الإمامة والقيادة.

أيّ إمام تجب معرفته.

إنّ قليلاً من التأمّل في مضمون الحديث ـ لا سيّما لو أخذنا الشرح السابق بنظر الاعتبار ـ

1.. سبأ: ۶.

2.. الإسراء: ۳۶.

3.. آل عمران: ۱۴۴.

4.. راجع: ص ۳۵۹ .


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
360

وفي الحقيقة أنّ أشخاصاً كهؤاء يسعون لحمل الأحاديث المذكورة على أيّ حاكم حتّى وإن كان جائراً، بدلاً من حملها على أئمّة أهل البيت عليهم‏السلام الذين اختارهم اللّه‏ عز و جل ورسولُه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله.

نقل ابن أبي الحديد خبر امتناع عبد اللّه‏ بن عمر عن البيعة كما يلي:

امتنع من بيعة عليّ عليه‏السلام، وطرق على الحجّاج بابه ليلاً ليبايع لعبد الملك؛ كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام! زعم لأنّه روى عن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أنّه قال: «من مات ولا إمام له، مات ميته جاهليّة». وحتّى بلغ من احتقار الحجّاج له واسترذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش، فقال: اصفق بيدك عليها.۱

إذن فالبحث الرئيسيّ في هذا الحديث الشريف هو معناه، لا أصل صدوره عن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ۲. ولفهمه جيّداً ينبغي توضيح معنى الجاهلية:

تَعتبر الثقافة الإسلاميّة أنّ عصر رسالة النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله عصر علم، وما قبل بعثته فترة جاهليّة، حيث عاش الناس في ضلالة بسبب تحريف الأديان الإبراهيمية، وما كان يهيمن على المجتمعات البشريّة باسم الدين ما هو إلاّ أوهام وخرافات. بل إنّ الأديان المحرّفة والمعتقدات الخرافيّة في الواقع تحوّلت إلى وسائل لهيمنة الثروة والقوّة والتلاعب على البشر، ويؤّد هذه الحقيقة تاريخ ما قبل الإسلام أيضاً.

ثمّ جاءت بعثة الرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله المباركة فاتحة لعصر العلم، فكانت أكثر مسؤليّاته أهمّية مكافحة الخرافات والأوهام وتوضيح الحقائق للناس؛ لأنّ النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يرى نفسه كأبٍ لهم يحرص على تربيتهم وتعليمهم، فنراه يقول:

إنَّما أنَا لَكم مِثلُ الوالِدِ أُعَلِّمُكم.۳

1.. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج۱۳ ص۲۴۲.

2.. قال العلاّمة الأميني في كتابه الغدير ج۱۰ ص۳۶۰: «هذه حقيقة راهنة أثبتتها الصحاح والمسانيد [لأهل السنّة] فلا ندحة عن البخوع لمفادها، ولا يتمّ إسلام مسلم إلاّ بالنزول لمؤّاها، ولم يختلف في ذلك اثنان، ولا أنّ أحداً خالجه في ذلك شكّ، وهذا التعبير ينمّ عن سوء عاقبة من يموت بلا إمام، وأنّه في منتأى عن أيّ نجاح وفلاح، فإنّ ميتة الجاهليّة إنّما هي شرّ ميتة؛ ميتة كفر وإلحاد».

3.. مسند ابن حنبل: ج ۳ ص ۵۳ ح ۷۴۱۳، سنن النسائي: ج ۱ ص ۳۸، سنن ابن ماجة: ج ۱ ص ۱۱۴ ح ۳۱۳.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15338
صفحه از 485
پرینت  ارسال به