195
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

هذه البحوث هو في موضوع الإمامة العامّة والخاصّة.

ثانيا: الأُطروحات التاريخيّة للعقيدة المهدويّة

لرسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وأئمّة أهل البيت عليهم‏السلام تاريخ وحياة أرضيّة على الرغم من أنّهم حجج إلهيّة نصّبها اللّه‏ تعالى في هذا المقام، فعاشوا مع الناس وشاركوهم تفاصيل حياتهم، وواجهتهم وأصحابهم صروف الدهر حيناً بالمصائب والبلايا، وأذاقتهم حيناً آخر طعم الراحة والرفاهية.

فهم مخلوقات خاصّة قَدِموا من ذرى الملكوت ووضعوا أقدامهم مع الناس على هذه الكرة الأرضية، وعاشوا بمعاييرهم الإلهيّة كأُسوة سامية بين البشر، ولبّوا حاجاته في الهداية والرشاد.

إنّ خصائص المعصومين لا تتعارض مع كونهم أُسوة، فعلى الرغم من وقوفهم على قمّة لا يمكن الوصول اليها، إلاّ أنّهم يقودون مسيرة هداية العباد وكمالهم نحو درجات سامقة. وعلى أي حال، فلا أحد ينافسهم ويروم نيل مقامهم.

وحضور تلك الذوات المقدّسة في هذه الدنيا الترابية يذكّرنا بالكلمات الجميلة لحافظ الشيرازي في بيتٍ له ما معناه:

أنا الذي تعييه أنفاس الملائكة ـ من أجلك أتحمّل كلّ ضجيج العالم.

فأقوالهم وأفعالهم سنّة لها اعتبار وحجّية في حياتهم الدنيويّة، ولكن الأخبار التاريخيّة الحاكية عن هذه السنّة ينبغي أن تُرصد من منظار تاريخي، ويخضع إثبات أو نفي نسبة أيّ قول أو فعل إليهم إلى معايير اعتقاديّة موزونة ثمّ يوضع في بوتقة النقد.

ومن الضروري الالتفات إلى هذه الملاحظة وهي أنّ كثيرا من الخصائص والحوادث التاريخيّة المتّصلة بحياة أُولئك العظماء لا صلة لها بمكانتهم الإلهيّة والاعتقاديّة، فمثلاً السمات الظاهريّة، وتاريخ الولادة والشهادة، والأُسرة والأبناء، والحوادث اليوميّة لحياتهم


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
194

من المحكمات الحديثيّة للشيعة التي تضارع المحكمات القرآنيّة ويُستعان بها لتقييم الأدلّة الأُخرى.

وهناك موضوعات أكثر فرعيّة في هذا المجال لا تعتبر جزءا من البحوث الأساسيّة على الرغم من كونها عقائديّة، نظير البحوث المتعلّقة بفلسفة الغيبة، وبعض خصائص الإمام غير المرتبطة بمنصب الإمامة؛ مثل امتلاك الإمام المهديّ عليه‏السلام لزوجةٍ، أو كيفيّة حياته و مكان إقامته، وجزئيّات الرجعة، ومن هو أوّل من يرجع. والأمر المهمّ هنا هو أن نحاول عدم الخوض في البحوث الفرعيّة بدلاً عن الأصليّة.

ويُعتبر موضوع الإمامة والتفاصيل المتّصلة بها من البحوث الخاصّة بالمذهب، ولهذا دُوّنت وفقاً للمعايير المعرفيّة عند الشيعة، وتخضع للمبادئ التي تحكم الفكر والمعرفة الشيعيّة، فلا إصرار على إثبات بحوث الإمامة والعقيدة المهدويّة الخاصّة بالفكر الشيعيّ لمن لايتوافق مع مبادئ الشيعة في الإمامة، فالمهمّ لكلّ مذهب في الأُصول والفروع الاعتقاديّة أن ينظّم عقائده استناداً إلى الأُسس والأُصول المسلَّمِ بها في المذهب نفسه.

لا شكّ أنّ الاحتجاج على المخالفين ـ سواء من أهل السنّة أو غير المسلمين ـ ينبغي فيه الاستعانة بالعقائد التي يرتضونها لإزالة شبهاتهم، كما يمكن الاستناد إلى الأدلّة المشتركة ـ كالعقل والقرآن ـ في إثبات الأُصول والأُسس الشيعيّة لأهل السنّة، ولكن لاضرورة لإثبات جميع العقائد الشيعيّة للأشخاص الذين لايعترفون بتلك الأُصول الفكريّة وأُسسهم النظريّة.

وبعبارة أُخرى: ينبغي على كلّ دين ومذهب أن يُنظّم أُصولَه الفكريّة على أساس ركائز تفكيره، وأن يستطيع إقناع معتنقيه وهم مخاطبوه الأصليّون، ومن ثمّ ينبغي له الاعتماد على أُسلوبين عند محاولته تقديم الإجابة لإزالة شبهات المخالفين، هما:

أ ـ تقديم الإجابات لمعتنقيه على أساس العقائد الخاصّة بالمذهب.

ب ـ تقديم الإجابات لغير المعتقدين به على أساس العقائد المشتركة.

وهنا لسنا في صدد تقديم الإجابات للمخاطبين من المجموعة الثانية؛ لأنّ محلّ مثل

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15233
صفحه از 485
پرینت  ارسال به