وإذا تجاوزنا عمّا يرد من إشكالات على قاعدة اللطف، لكنّ الإشكال التالي سيفرض نفسه؛ وهو أنّ حضورالمعصوم لطف مثل وجوده، فلماذا يغيب؟!
مع ذلك فإنّنا نسلّم بأنّ بعض آثار وبركات الإمام مازالت مستمرّة في عصر الغيبة، مثل: مساعدة المؤنين، وكونه واسطة لنزول الفيض الإلهيّ، والإرشاد إلى سواء السبيل بنحو تكوينيّ وغير مباشر، وبناء على هذا البرهان يثبت وجود الإمام الغائب بغضّ النظر عن إشكالات قاعدة اللطف؛ لأنّ الآثار والبركات المشار إليها تقرّب البشر من اللّه والدين، وهي مصداق اللطف، ولكن إشكال دليل الغيبة مازال ماثلاً.
كما يمكننا الاستفادة من القول السابق للنراقي، فنقول: على الرغم من أنّ حضور الإمام لطف مثل وجوده أيضاً، إلاّ أنّ هذا الحضور قد يتعارض مع حكمة اُخرى نظراً لأوضاع الناس والعالم، ولهذا لا يجب هذا اللطف على اللّه في ظروف كهذه، وكما يقول الشيخ نصير الدين الطوسي:
وجوده لطف، وتصرّفه لطف آخر، وعدمُه منّا.۱
۳. برهان إمكان الأشرف
يتأسّس هذا البرهان على مقدّمتين:
الأُولى: إنّ الكمال الذي يقدّره اللّه للمخلوقات يجب أن يتعلّق أوّلاً بالمخلوق الأشرف؛ لكي ينتقل عن طريقه إلى الآخرين.
الثانية: لقد وصل كثير من الكمال إلى البشر وبقيّة المخلوقات.
النتيجة: إذن يجب أن يوجد مخلوق أشرف في كلّ زمان ليكون واسطة فيض لهذا الكمال إلى الآخرين، والإمام المهديّ عليهالسلام أشرف المخلوقات في هذا العصر.
واستناداً إلى المقدّمة الأُولى من هذه القاعدة يجب أن يقدّم الممكن الأشرف على الممكن الأخسّ في مراتب المخلوقات، وإلاّ تلزم إحدى الإشكالات الآتية: