173
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

۵. الرؤة الاستكباريّة

تفضي العولمة الغربيّة بنحو طبيعيّ إلى استغلال واستعمار العالم غير الغربيّ، وهيمنتهم على التكنولوجيا المتقدّمة أدّى بهم إلى انتهاج طريق استكباريّ، ولهذا يدّعون أنّهم زعماء العالم، في حين تؤّد العقيدة المهدويّة الإسلاميّة بشدّة على نشر العدل في جميع أرجاء الأرض، وتنظر الثقافة المهدويّة إلى جميع البشر الأحياء في غرب الأرض وشرقها وشمالها وجنوبها على أنّهم متساوون، وأنّ جميعهم عباد اللّه‏، وليس للوطن أو اللون أو العرق أثر في أفضليّة أحد على آخر.

ولو عنت العولمة هيمنةَ النظام الرأسماليّ على العالم، فهذا المعنى لايتلاءم أيضاً مع العقيدة المهدويّة أبداً؛ لأنّ النظام الرأسماليّ الغربيّ قائم على كسب مزيد من الأرباح ممّا يتسبّب في إلحاق مزيد من الظلم بالمجتمع الإنسانيّ؛ إذ ستُكرّس الثروات والأرباح في هذا الوضع للرأسماليّين، وسيُحرم منها كثير من المجتمعات الإنسانيّة.

أمّا العقيدة المهدويّة الإسلاميّة فتضع الأرباح والثروات بمتناول جميع الشعوب، حيث إنّ الاقتصاد والثروة من منظار الإسلام والمهدويّة هما لمجرّد توفير حاجات البشر كي ينال السعادة والرفاهية الدنيويّة والأُخرويّة. كما تنصّ تعاليم الدين الإسلاميّ على أنّ اللّه‏ لم يخلق الإنسان لهذه الدنيا، فالسعادة الحقيقيّة له إنّما هي في عالم الآخرة، كما ورد في القرآن الكريم: «وَإِنَّ الدَّارَ الآَْخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»۱.

اتّضح إلى هنا أنّه لو كانت العولمة بمعنى العالميّة الغربيّة فلا يتواءم ذلك مع المهدويّة أبداً، ولكن إذا اُفرِغت العولمة من محتواها الغربيّ واكتسبت معنى التقارب والتضامن العالميّين، فليس هذا ينسجم مع العقيدة المهدويّة فحسب، بل هو من مقوّمات تشكيل حكومة الإمام المهديّ عليه‏السلام العالميّة، لأنّه لايُتصوّر تحقّقها إلاّ على أساس مصالح ومفاسد المجتمعات البشريّة، وخالق الإنسان وحده هو من له علم تامّ بتلك المصالح والمفاسد. إذن

1.. العنكبوت: ۶۴.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
172

والدين في الحياة الفرديّة والاجتماعيّة للبشر، ويؤّي إلى شرخ عميق بين طبقات المجتمعات الإنسانيّة.

فليبراليّة الغرب ـ التي تُعدّ من مبادئ العولمة الغربيّة ـ لا تتوافق مع المعتقد الدينيّ ولا مع المهدويّة الإسلاميّة؛ التي تدعو الإنسان إلى الفضيلة والحياة المعنويّة والسعادة الحقيقيّة، وتعرّف حرّيته في إطار الفضائل والمعنويّات، وفي الحقيقة لا تتنافى العقيدة المهدويّة مع حرّية الإنسان، فاللّه‏ تعالى خلقه حرّاً مختاراً، ولكنّ حرّيته لا تعني قيامه بكلّ عمل يبتغيه حتّى لو أدّى في النهاية إلى ضلال الآخرين أو سقوطهم معنويّاً أو هلاك نفسه.

كما أنّ الإنسان لايحتاج إلى الحرّية السياسيّة والاجتماعيّة فحسب، بل هو بحاجة إلى الحرّية المعنويّة أيضاً؛ لكي يتحرّر في ظلالها من كلّ عبوديّة ورقّ لغير اللّه‏ تعالى، من قبيل هوى النفس والسلطة والثروة والشهرة والمنصب وغيرها، وفي هذه الأجواء فقط يمكن لأيّ شخص أن يطوي بحرّية مشوار الفضيلة والحياة المعنويّة.

أمّا الليبراليّة الغربيّة فلا ترتضي هذا المفهوم للحرّية، وتعتقد بالحرّية غير المقيّدة ولا الملتزمة، في حين أنّ هذا الضرب من الحرّية ـ كما قلنا ـ يتسبّب في ظلم وسلب حرّيات آخرين.

۴. النزعة الحسّية والتجريبية

تُعدّ الحسّية من المبادئ الفكريّة للحضارة الغربيّة المعاصرة، وبناء عليه سيكون الأساس العلميّ أو الحقيقيّ لوجود أيّ شيء هو إثباته عن طريق التجربة والحسّ. بعبارة أُخرى: شُيّدت المبادئ الفكريّة الغربيّة على أساس الحسّ أو العقل المجرّد، في حين تستند المبادئ الفكريّة للعقيدة المهدويّة إلى العقل والوحي والمعارف الإلهيّة.

وطبيعي أنّ نظرة الغربيّين المادّية إلى الأشياء ستؤّي إلى إنكار الماورائيّات أو الأُمور الميتافيزيقيّة، ومن هنا لاتتوافق مبادئ العولمة الغربيّة مع أُسس العقيدة المهدويّة.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15431
صفحه از 485
پرینت  ارسال به