171
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

من المعنويّات، ولايبصر إلاّ بنظرة مادّية إلى الأشياء.

وبديهيّ أنّ هذا المبدأ لايتوافق مع المبدأ المعرفيّ للفكر الدينيّ والإسلاميّ، فالبشر والعالم في نظر الإسلام من مخلوقات اللّه‏ تعالى الذي شرّع للإنسان مجموعةً من الأحكام والقوانين استناداً إلى أصل المصالح والمفاسد؛ لأنّه العارف بمصالح الإنسان ومفاسده أكثر من الإنسان نفسه.

والحكومة العالميّة للإمام المهديّ عليه‏السلام ترتكز أيضاً على أساس محوريّة اللّه‏ تعالى، وتهتمّ بالأُمور المادّية والقضايا المعنويّة أيضاً.

۲. العلمانيّة (فصل الدين عن السياسة والحياة الاجتماعيّة)

يُصرّ الغربيّون على فصل الدين عن السياسة والحياة الاجتماعيّة، في حين أنّ العقيدة المهدويّة الإسلاميّة قائمة على أساس العلاقة بين الدين والسياسة، فرسالة الإسلام لا تنحصر بالحياة الفرديّة فقط، بل تشمل الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة أيضاً. إذن مبدأ العولمة الغربيّة يتنافى مع العقيدة المهدويّة.

والدين في الثقافة الإسلاميّة لايقبل الانفصال عن السياسة أبداً، فالأنبياء والأوصياء الربّانيّون أُمِروا بتصحيح مسار الحياة الاجتماعيّة وإقامة العدل والإطاحة بالظلم، إضافة إلى إصلاح الحياة الفرديّة للناس، وفصل الدين عن السياسة يتسبّب في إيجاد خلل معنويّ ومشاكل للإنسان. والحكومة العالميّة للإمام المهديّ عليه‏السلام حكومة دينيّة تُطبَّق فيها الأحكام الإلهيّة عمليّاً.

۳. الليبراليّة (الحرّية المطلقة)

هدية الليبراليّة الغربيّة للإنسان هي الحرّية السياسيّة والاجتماعيّة غير المقيّدة نسبيّاً، ولا يحقّ للدولة والدين أن يسلباها منه، فيمكن لأيّ شخص تحقيق تطلّعاته بحرّية كاملة، إلاّ إذا تعارضت حرّيته مع حرّية أو حقوق غيره من المواطنين. وهذا ممّا يوهن بشدّة دور الدولة


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
170

الجذور التاريخيّة للعولمة

يمكن العثور على الجذور التاريخيّة للعولمة في أعماق التاريخ البشريّ استناداً إلى وجهة النظر الثالثة؛ أي كونها ظاهرة تكوّنت إثر عوامل متعدّدة، فحياة البشر ابتدأت بتشكيل تجمّعات أُسريّة صغيرة في الغابات والكهوف والملاجئ استناداً إلى آراء علماء الاجتماع والآثار، وتبدّلت بالتدريج إلى مجتمعات صغيرة كالقبائل والعشائر تقطن إلى جانب عيون الماء والأنهار، ثمّ تبدّلت إلى قرىً ووحدات صغيرة، ثمّ اُقيمت المدن، ثمّ ظهرت البلدان والدول بالتدريج. وبناءً عليه فالحياة البشريّة بأجمعها تتحرّك نحو العولمة، وكلّما نتقدّم إلى الأمام يقلّ التفرّق ويزداد الانشداد. وبطبيعة الحال اكتسبت هذه الحركة سرعة أكبر في القرون الأخيرة، وستتزايد سرعتها أكثر نحو العولمة من خلال الاستعانة بوسائل الإعلام الحديثة.

نقد المبادئ الفكريّة للعولمة الغربيّة

أهمّ المبادئ الفكريّة والنظريّة للعولمة الغربيّة ـ أي مشروع العولمة الذي لايتوافق مع الأُسس الفكريّة للإسلام والفكر المهدويّ ـ هي:

۱. محوريّة الإنسان

نشأت الركائز الفكريّة والنظريّة للحضارة الغربيّة على أساس محوريّة الإنسان، في حين يقوم الفكر المهدويّ الإسلاميّ على أساس محوريّة اللّه‏. ففي النظام الاعتقاديّ لمحوريةّ الإنسان يكون الأخير قسماً من عالم الطبيعة، وقد جاء إلى الوجود نتيجة لعمليّة متواصلة.

تأثّر هذا المعتقَد كثيراً بنظرية التطوّر لتشارلز داروين، الذي أسهب في الأمر حتّى اعتبر كلّ الأشياء ـ ومن ضمنها الفلسفة والدين ـ خاضعة لقانون التطوّر. وهذا الضرب من التفكير يمكن أن يؤّي في نهاية المطاف إلى إنكار خلقة اللّه‏ للعالم والإنسان۱، وينأى عن أيّ نوع

1.. غرب‏شناسي بالفارسيّة: ص ۲۲۸.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15410
صفحه از 485
پرینت  ارسال به