المجموعة العوامليّة للفكر كشبكة منظّمة منسجمة، وفي الواقع يترك الباحث الظاهراتي الحديث عن سداد وصواب ظاهرة مُعلَّقاً، أو كما يصطلح عليه بتعليق الحكم، ويحاول إيجاد تفاهم وتعاطف مع الظاهرة وأصحابها.
و لا يحتاح هذا المنهج إلى ربط الحادثة بالماضي والحاضر أو مكان وقوعها ربطا منطقيّا، خلافاً للمنهج التاريخيّ، وعلى الرغم من أنّ معرفة الزمان والمكان تساعد في فهم الظاهرة، إلاّ أنّه ليس بالضرورة لمعرفة ظاهرة ما أن نحتاج إلى مسيرة تاريخيّة وإلى تبيّن ما قبلها وما بعدها، والمهمّ هو العوامل الأساسيّة للظاهرة ومكوّناتها حتّى وإن لم يكن هناك انسجام وتناسق بينها وبين الظواهر المحيطة بها.۱
من الباحثين الذين اعتمدوا المنهج الظاهراتيّ في تحليل الموضوعات الدينيّة الإسلاميّة: توشي هيكو ايزوتسو، وآنا ماري شميل، وهنري كربين؛ فجنى منه ايزوتسو أقصى استفادة في علوم القرآن، وشيمل في الدراسات الإسلاميّة۲، وكربين في الدراسات عن التشيّع.
وربّما يمكن اعتبار الأخير من الباحثين الغربيّين الذين اهتمّوا أكثر من الآخرين بدراسة التشيّع أوّلاً، وبالعقيدة المهدويّة في الفكر الشيعيّ ثانياً، فذكر تلك العقيدة مرّات عديدة في كتبه؛ كتاريخ الفلسفة الإسلاميّة، والفلسفة الإيرانيّة والفلسفة المقارنة، وغيرها، وحاول عرض تحليل باطنيّ وشهوديّ لدور الإمام في الفكر المهدويّ، ومن هنا لا تعدّ قراءته عن الإمام المهديّ عليهالسلام مبتنية على رؤة المذهب الاثني عشريّ لها فحسب، بل استفاد من أفكار فرق شيعيّة أُخرى مثل الإسماعيليّة والشيخيّة، كما أنّ تحليله الباطنيّ والشهوديّ ممّا يلفت الأنظار إليه، فكتب ما يلي:
إن ظهور الإمام هو عين تجديد حياة الناس، والمعنى العميق للفكر الشيعي فيما