159
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

يخصّ «غيبة الإمام وظهوره» لا يعدو ذلك... فالذين عملوا على جعل أنفسهم عاجزين عن رؤية الإمام قد صار الإمام بالنسبة إليهم وراء حجاب؛ ذلك لأنّهم إمّا أن يكونوا فقدوا أعضاءهم المدركة للتجلّيات الإلهية والمعارف القلبية التي عرّفناها في بحث معرفة الإمام، أو أن يكونوا قد أصابوها بنوع من الشلل.۱

إنّ النظرة الباطنيّة لهنري كربين إلى العقيدة المهدويّة وتصويره المقدّس لحضور الإمام المهديّ عليه‏السلام في تاريخ الشيعة ومنظومتها الفكريّة، تسبّبت في غفلته عن الأبعاد الأُخرى لهذه العقيدة من الفكر الشيعيّ، ومن هنا تعرّضت النتائج النظريّة لكربين في تحليل العقيدة المهدويّة في الفكر الشيعيّ إلى عدّة سلبيات، أهمّها:

۱. عدم الشموليّة

امتازت نظرة كربين وتحليله للتشيّع ـ وبتَبَعِه للعقيدة المهدويّة ـ بنظرة أُحاديّة؛ لاعتماده فرضيّات فلسفيّة وعرفانيّة، فمثلاً نجده أكثر مايسعى خلف من له القدرة على التأويل الفلسفيّ والعرفانيّ للنصوص الشيعيّة، ويميل أكثر إلى السهروردي وصدر المتألّهين من بين علماء الفلسفة، وإلى الشيخيّة والإسماعيليّة من بين فرق الشيعة.

۲. ضعف المصادر والمراجع

رأى كربين أن لا ضير من الاستناد إلى النصوص الروائيّة والتاريخيّة الضعيفة لمجرّد أنّ كاتبها ينتسب إلى المذهب الشيعيّ، أو لحسن ظنّه به أحياناً، فمثلاً اعتبر خطبة البيان التي نُسبت إلى الإمام عليّ عليه‏السلام في كتاب مشارق أنوار اليقين للحافظ البرسيّ، اعتبرها من أهمّ مصادر العرفان في تحليل الحكمة الشيعيّة۲، في حين أنّ الإثبات التاريخيّ والسنديّ لصدور هذه النسخة عن الإمام عليّ عليه‏السلام في غاية الصعوبة، ومن هنا لم تكسب الخطبة وثوقا

1.. تاريخ فلسفه اسلامي بالفارسيّة: ص ۱۳۹.

2.. تاريخ فلسفه اسلامي بالفارسيّة: ص ۱۳۹.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
158

المجموعة العوامليّة للفكر كشبكة منظّمة منسجمة، وفي الواقع يترك الباحث الظاهراتي الحديث عن سداد وصواب ظاهرة مُعلَّقاً، أو كما يصطلح عليه بتعليق الحكم، ويحاول إيجاد تفاهم وتعاطف مع الظاهرة وأصحابها.

و لا يحتاح هذا المنهج إلى ربط الحادثة بالماضي والحاضر أو مكان وقوعها ربطا منطقيّا، خلافاً للمنهج التاريخيّ، وعلى الرغم من أنّ معرفة الزمان والمكان تساعد في فهم الظاهرة، إلاّ أنّه ليس بالضرورة لمعرفة ظاهرة ما أن نحتاج إلى مسيرة تاريخيّة وإلى تبيّن ما قبلها وما بعدها، والمهمّ هو العوامل الأساسيّة للظاهرة ومكوّناتها حتّى وإن لم يكن هناك انسجام وتناسق بينها وبين الظواهر المحيطة بها.۱

من الباحثين الذين اعتمدوا المنهج الظاهراتيّ في تحليل الموضوعات الدينيّة الإسلاميّة: توشي هيكو ايزوتسو، وآنا ماري شميل، وهنري كربين؛ فجنى منه ايزوتسو أقصى استفادة في علوم القرآن، وشيمل في الدراسات الإسلاميّة۲، وكربين في الدراسات عن التشيّع.

وربّما يمكن اعتبار الأخير من الباحثين الغربيّين الذين اهتمّوا أكثر من الآخرين بدراسة التشيّع أوّلاً، وبالعقيدة المهدويّة في الفكر الشيعيّ ثانياً، فذكر تلك العقيدة مرّات عديدة في كتبه؛ كتاريخ الفلسفة الإسلاميّة، والفلسفة الإيرانيّة والفلسفة المقارنة، وغيرها، وحاول عرض تحليل باطنيّ وشهوديّ لدور الإمام في الفكر المهدويّ، ومن هنا لا تعدّ قراءته عن الإمام المهديّ عليه‏السلام مبتنية على رؤة المذهب الاثني عشريّ لها فحسب، بل استفاد من أفكار فرق شيعيّة أُخرى مثل الإسماعيليّة والشيخيّة، كما أنّ تحليله الباطنيّ والشهوديّ ممّا يلفت الأنظار إليه، فكتب ما يلي:

إن ظهور الإمام هو عين تجديد حياة الناس، والمعنى العميق للفكر الشيعي فيما

1.. اُنظر المصدر السابق: ص ۳۶ ـ ۳۹.

2.. راجع: تبيين آيات خداوند: نگاهي پديدارشناسانه به إسلام بالفارسيّة: ص ۳۶.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15261
صفحه از 485
پرینت  ارسال به