وتتأثّر هذه النظرة إلى موضوع البحث بالرؤة الخاصّة في البحوث الدينيّة التي تتعامل مع الدين على أنّه ظاهرة إنسانيّة ناجمة عن توليف بين الحاجات والخصائص الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والبيئيّة والعادات والتقاليد العرقيّة والقوميّة، فيكتسب الدين وتعاليمه ووفقاً لهذه النظرة جذوراً إنسانيّة تاريخيّة تفتقر إلى أيّ نوع من الهويّة المتخطيّة لحدود التاريخ والبشريّة؛ أي الربّانية أو المتعلّقة بالوحي.
وينبغي أن لايُعتبر هذا المنهج وكتابة التاريخ على حدّ سواء، فالأخير مجرّد تقرير توصيفيّ محض لما وقع من الأحداث من دون تعليق وإبداء للرأي فيما يتعلّق بأسبابها وأرضيّاتها. وكتابة التاريخ أُسلوب بعض المستشرقين ـ مثل إدوارد بروان ـ في تحليل القضايا المتعلّقة بالإمام المهديّ عليهالسلام ۱، حيث تُشكّل نتاجاته أهمّ مصادر البحث في الفرق المهدويّة الكاذبة في العقود الأخيرة.
وانتهج كلّ من جيمس دارمستتر وإجناس جولدتسهير وفان فلوتن وديفيد صامويل مرجليوث المنهج التاريخي في تحليل القضايا المتّصلة بالإمام المهديّ عليهالسلام، واتّفقوا مع بعضهم في القول بأنّ العقيدة المهدويّة قضيّة كاذبة أوجَدَتها الظروف السياسيّة والاجتماعيّة أو الإحباط الشخصيّ والنفسيّ، فاعتقد الناس إثر ذلك بمنقذ ربّاني كذريعة للتوصّل إلى ثورة اجتماعيّة من أجل بلوغ نقاهة روحيّة ونفسيّة.۲
يُعدّ جيمس دارمستتر۳ من أشهر المستشرقين الذين تبَنّوا هذا المنهج في تحليل القضايا
1.. راجع: يك سال در ميان ايرانيان بالفارسيّة، و نقطة الكاف بالفارسيّة .
2.. مهدويت از ديدگاه دين پژوهان غربي بالفارسيّة : ص ۳۶ ـ ۳۷.
3.. جيمس دارمستتر (James Darmesteter )۸۲/(مارس/۱۸۴۹م ـ ۱۹/ اكتوبر/۱۸۹۴م): كاتب فرنسيّ وباحث وعالم بالآثار، ولد بمنطقة شاتو سالن في مدينة ألزاس بفرنسا لأبوين يهوديّين، ترجع أُصوله الأُسريّة إلى مدينة دارمشتات في ألمانيا، ولقبه العائلي يشير إلى ذلك . أكمل دراسته في باريس وشغف بعلوم الشرق، فأوقف حياته على البحث فيها، وألّف كتاباً عن الأساطير الواردة في الأفستا سنة ۱۸۷۵م. شرع بتعلّم اللغة الفارسيّة سنة ۱۸۷۷م، ثمّ كتب ترجمة كاملة لـ «زند افستا» تولّى شرحه وطباعته في ثلاثة مجلّدات. عُيّن أُستاذاً بمؤّسة كوليج دو فرانس في الحيّ اللاّتيني في باريس سنة ۱۸۸۵م. سافر إلى الهند للبحث والتحقيق سنة ۱۸۸۶م، وجمع الأغاني المحلّية في أفغانستان، كما ألّف دراسات في العقائد الإسلاميّة، وكتاباً في أُصول الشعر الفارسيّ سنة ۱۸۸۸م، وكتاباً آخر باسم أنبياء بني إسرائيل سنة ۱۸۹۲م.