أي كما أنّ الأديان الإلهية تعرض رؤيتها الكونية العامّة عن العالم، وآدم، وبداية الخلقة، ونهاية مسيرة حياة البشر (المبدأ والمعاد)، فإنّ قسما من أقسام هذه النظرة الكونية ـ هذه المجموعة العظيمة التي تشكّل البنية التحتية للأديان بجميع أفكارها وتأمّلاتها وأحكامها وقوانينها ومقرّراتها ـ هو عبارة عن قضية نهاية مسيرة القافلة البشرية في هذه الدنيا، أمّا ذلك العالم وتلك النشأة فقضية أُخرى، هي قضية الآخرة.
والمسألة المطروحة هي: إلى أين تتجّه البشرية؟ فلو شبّهنا المجتمع الإنساني على مدى تأريخه بقافلة تسير في طريقٍ ما، فالسؤال هو: إلى أين تسير هذه القافلة؟ وماهي وجهتها؟ وأين تكون نهاية مسيرتها؟
و هذا سؤال جادّ ينبغي أن يُجاب عنه في أي رؤية كونية.
وقد أجابت الأديان عن هذا السؤال، ولم تأتِ إجابات الاتّجاهات الفكرية غير الدينية على غرار واحد في هذا المجال، أمّا أجوبة الأديان فتكاد تكون موحّدة محدّدة. وعلى ما نعرفه عن الأديان الإلهية والأديان المستنسخة عنها ـ وإن لم تكن إلهيّة، ولكن من الواضح أنّ أُصولها وقواعدها مأخوذة من الأديان المذكورة ـ أنّ جميعها تعتقد بوصول هذه القافلة في النهاية وفي خاتمة المطاف إلى مستقرّ منشود مبهج تطمئنّ فيه النفوس.
السمة الرئيسية لهذا المقصد هو (العدالة)، فهي أُمنية الإنسانية جمعاء من البداية حتى هذا اليوم وستستمرّ إلى النهاية. وأُولئك الساعون إلى الاعتقاد بالتنوّع والتغيير والتطوّر وما شاكلها في مبادئهم وأفكارهم، لايسعهم إنكار تعدّد أهداف الإنسان من اليوم الأوّل حتى الوقت الحاضر، و العدالة هي من أهمّ تلك الأهداف، فالأنسان ما فتئ يسعى وراءها ولن يشيح بوجهه عنها، وسُتلبّى هذه الأمنية في نهاية الأمر؛ حيث ورد في أحاديثنا: «يَملأُ اللّهُ بِهِ الأَرضَ قِسطا وَعَدلاً كَما مُلِئَت ظُلما وَجَورا»۱، (وجاءت في أغلب النصوص عبارة: «كَما مُلِئَت» وفي بعضها: «بَعدَما مُلِئَت»)۲. وهذا هو جواب كلّ الأديان.
وفي الواقع أنّ كلّ فرد من أفراد البشر يعلم ما ستنتهي إليه المسيرة العامّة للبشرية، وإذا