13
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

ما حاولنا التشبيه لتقريب المعنى، فعلينا القول بأنّ مسافرا في قافلة يواصل الحركة في مسيره، فيجوز منعطفات صعبة وممرّات وعرة وجبالاً وأودية ومستنقعات وأراضٍ شائكة، يطوي كلّ ذلك من أجل أن يصل إلى نقطة معيّنة، ولكن أين هذه النقطة؟ إنّها عبارة عن طريق فسيح، وجادّة مهمّة مشرعة، وسبيل معبّدة.

كلّ ما نشاهده في تاريخ الإنسانية حتى الآن هو المسير في تلك الطرق العسيرة، والمرتفعات والمنخفضات، والأراضي الشائكة والمستنقعات وما ناظرها، وهكذا تجتاز البشرية هذا الطريق لكي تصل إلى الصراط الرحب، وهو العهد المهدوي، عهد ظهور الإمام المهديّ المنتظر عليه‏السلام.

وحينما نصل إلي هذه المرحلة فليست هناك حركة دفعية مفاجئة ثم ينتهي كلّ شيء، كلاّ، فهناك مسيرة أُخرى. وفي الواقع ينبغي القول بأنّ الحياة الأصلية المنشودة للبشر تبدأ من هناك، حيث تبدأ الإنسانية بخطواتها الأُولى في طريقٍ هو صراط مستقيم يأخذ بيدها إلى غاية الخليقة، لا لآحاد البشر أو أفرادهم فحسب، بل البشرية بمجموعها.

لكنّ هذا لا يعني تغيّر طبيعة البشر في ذلك الوقت، لا؛ لأنّها طبيعة نزاع وصراع داخلي بين الخير والشرّ، فهناك عقل الإنسان، وهناك طبعه، فغرائزه لها أحكامها وتجاذباتها، والميول الإنسانية الطبيعيّة تؤدّي وظيفتها، كما يؤدّي العقل وظائفه وأعماله. ولهذا فسيوجد النزاع في ذلك العهد أيضا، وليس الأمر يومئذٍ بأن يتبدّل كلّ البشر إلى ملائكة، كلاّ، فالتشاحن يومَذاك قائم أيضا، ومن الطبيعي حينها وجود الجيّد والرديء، غاية الأمر أنّ الطريق والصراط طريق مساعد على الخير وحسن السلوك، والسير بشكل صحيح، والاتّجاه نحو الغاية الحقيقية، إنّها خصوصية ذلك الطريق، وهي المعنى الحقيقي والواقعي (للعدل) نفسه، وهذا متحقّق لامحالة. وما حصل عليه الإنسان من نجاح في أثناء مسيرته يؤيّد هذا المعنى للإنسان المشكّك ؛ وهو أنّ الوعد سيتحقّق.

إنّ الآيات التي تُليت تبدو آيات ملفتة ومهمّة، وفيها ملاحظة عن النبيّ موسى عليه‏السلام عندما ألقته أُمّه في الماء في بداية ولادته: «وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
12

أي كما أنّ الأديان الإلهية تعرض رؤيتها الكونية العامّة عن العالم، وآدم، وبداية الخلقة، ونهاية مسيرة حياة البشر (المبدأ والمعاد)، فإنّ قسما من أقسام هذه النظرة الكونية ـ هذه المجموعة العظيمة التي تشكّل البنية التحتية للأديان بجميع أفكارها وتأمّلاتها وأحكامها وقوانينها ومقرّراتها ـ هو عبارة عن قضية نهاية مسيرة القافلة البشرية في هذه الدنيا، أمّا ذلك العالم وتلك النشأة فقضية أُخرى، هي قضية الآخرة.

والمسألة المطروحة هي: إلى أين تتجّه البشرية؟ فلو شبّهنا المجتمع الإنساني على مدى تأريخه بقافلة تسير في طريقٍ ما، فالسؤال هو: إلى أين تسير هذه القافلة؟ وماهي وجهتها؟ وأين تكون نهاية مسيرتها؟

و هذا سؤال جادّ ينبغي أن يُجاب عنه في أي رؤية كونية.

وقد أجابت الأديان عن هذا السؤال، ولم تأتِ إجابات الاتّجاهات الفكرية غير الدينية على غرار واحد في هذا المجال، أمّا أجوبة الأديان فتكاد تكون موحّدة محدّدة. وعلى ما نعرفه عن الأديان الإلهية والأديان المستنسخة عنها ـ وإن لم تكن إلهيّة، ولكن من الواضح أنّ أُصولها وقواعدها مأخوذة من الأديان المذكورة ـ أنّ جميعها تعتقد بوصول هذه القافلة في النهاية وفي خاتمة المطاف إلى مستقرّ منشود مبهج تطمئنّ فيه النفوس.

السمة الرئيسية لهذا المقصد هو (العدالة)، فهي أُمنية الإنسانية جمعاء من البداية حتى هذا اليوم وستستمرّ إلى النهاية. وأُولئك الساعون إلى الاعتقاد بالتنوّع والتغيير والتطوّر وما شاكلها في مبادئهم وأفكارهم، لايسعهم إنكار تعدّد أهداف الإنسان من اليوم الأوّل حتى الوقت الحاضر، و العدالة هي من أهمّ تلك الأهداف، فالأنسان ما فتئ يسعى وراءها ولن يشيح بوجهه عنها، وسُتلبّى هذه الأمنية في نهاية الأمر؛ حيث ورد في أحاديثنا: «يَملأُ اللّه‏ُ بِهِ الأَرضَ قِسطا وَعَدلاً كَما مُلِئَت ظُلما وَجَورا»۱، (وجاءت في أغلب النصوص عبارة: «كَما مُلِئَت» وفي بعضها: «بَعدَما مُلِئَت»)۲. وهذا هو جواب كلّ الأديان.

وفي الواقع أنّ كلّ فرد من أفراد البشر يعلم ما ستنتهي إليه المسيرة العامّة للبشرية، وإذا

1.. كتاب سليم بن قيس : ج ۲ ص ۵۶۷ وراجع أيضا هذه الموسوعة : ج ۹ ص ۱۷۱ إحياء الأرض بالعدالة .

2.. الطرائف : ج ۱ ص ۱۷۷ ح ۲۸۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15827
صفحه از 485
پرینت  ارسال به