125
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

المؤنون التوسّل به للحصول على دارما والكمال المعنويّ، ومن هنا لاينحصر عمل ميتريا في الإنقاذ بآخر الزمان، وأمّا في النهاية فهو منقذ للمجتمع؛ لأنّه يستلم الحكومة العالميّة من آخر مَلِك قبله ويحكم الأرض.

ويُستشفّ من النصوص المقدّسة أنّ أيّ ملك من الملوك ـ وفي ضمنهم ميتريا نفسه ـ إذا لم يعمل بواجبه جيّداً ليقيم المساواة في المجتمع، فسيزحف الانحطاط إلى حياة البشر مرّة أُخرى. طبيعيّ أنّ الصلح والأمان مستتبّ في عصره، وهو في هذه الموارد يواصل طريق الملوك القدماء فقط، وأصل إنقاذه الجمعيّ يتعلّق بالانقاذ المعنويّ للبشر وإيصالهم إلى نيرفانا.

وفي وسع ميتريا مزاولة عمله الاجتماعيّ دون أن يأخذ الحكم العالميّ من الملك السابق له، ويقود الشعب إلى نيرفانا، ولكنّ استلامه للحكم يعكس قلقه على المجتمع وتحضيره لخطّة من أجله. وإذا ما حصل على المُلك بدون حرب، فهذا لايدلّ على أنّه ليس منقذاً اجتماعيّاً، بل التطوّر الأخلاقيّ للإنسان وفضائله ستبعث على وصوله إلى الحكم من دون سفك للدماء، ومازال الناس يعتقدون بأنّ المدينة الفاضلة التي خُلقوا من أجلها ستتحقّق على يديه.

والموعود البوذيّ ليس إقليميّاً أو قوميّاً أبداً؛ لشمول رسالته واتّساعها للعالم بأسره، فكلّ من يروم الوصول إلى نيرفانا سيأخذ ميتريا بيدهِ، لكنّ بعض التعابير توحي بأنّه زعيم دينيّ مقدّس؛ أي يتوجّب على الشخص أن يعقد إرادته على العمل بدارما لكي يسهّل ميتريا وصوله إلى نيرفانا. وعلى الرغم من وصول البشر إلى حدّ في الرقيّ الأخلاقيّ بحيث يطلب الجميع الوصول إلى الكمال، إلاّ أنّهم لم يُسلَبوا الاختيار بأيّ نحو كان، وفي النهاية يختارون طريق دارما، ولا إجبار في الوصول إلى نيرفانا.

تقام في عصر ميتريا مدينة فاضلة باسم «كتومتي»، وأساس قيامها: البلوغ الفكريّ للناس، وما سيقع في عهد ميتريا من معجزات فصّلتها النصوص الواردة في غير شرعة بالي،


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
124

إنّ دراسة مجموع النصوص البوذيّة ورؤة المناطق الجغرافيّة للدول المعتنقة لديانة بوذا (الهند والصين وتايلند وكوريا وغيرها)، تكشف عن أصل ثابت فيها؛ هو وجود موعود في الديانة البوذيّة، وقد ورد اسمه وصفاته في أقدم المصادر والنصوص المقدّسة لهذه الديانة حتّى في المصادر المتأخّرة منها، ومثل هذه الأصداء الواسعة لعقيدة الموعود في تاريخ مختلف الدول البوذيّة وثقافتها وآدابها، لا يدع مجالاً لأدنى شكّ في أصالتها وشمولها. ومع ما شهدته الديانة البوذيّة من تغيّرات مختلفة ومستمرّة على مدى ۲۵۰۰ عام وتباينها من منطقة إلى أُخرى، إلاّ أنّ أصل عقيدة الموعود مازالت باقية ومؤّرة بأشكال متنوّعة.

الموعود البوذيّ من حيث الماهيّة شخص ذو اسم وخصائص معيّنة، سواء في النصوص المقدّسة أو في ثقافة الدول البوذيّة، فهو في البداية إنسانيّ ترابيّ ولكنّه يكتسب حيثيّة إلهيّة بمرور الزمان، ومصير كهذا شبيه بمصير بوذا نفسه، فهو في شريعة بالي۱ نظير بوذا نفسه: إنسان كامل ولكنّه من تراب، ثمّ حاز سمة إلهيّة في الثقافة العامّة، وعُدّ في ضمن الآلهة، وعُبد ببعض الدول كالصين وكوريا.

وعلى الرغم من أنّ ميتريا ذُكر بأسماء مختلفة، إلاّ أنّه الموعود الوحيد في الديانة البوذيّة. وإذا ما رأينا بعض الحكماء أو الملوك البوذيّين قد أطلقوا عليه اسم ميتريا، فليس لاعتقادهم بأنّ لميتريا ماهيّة غير شخصيّة في بعض المراحل التاريخيّة، بل اعتبروا ذلك الحكيم أو الملك تجسّداً أرضيّاً لميتريا، أو أنّ ميتريا تعبيراً استعاريّاً عن الكمال الروحيّ والمعنويّ ورمزا للسلام والعدالة وما ضارعهما، وجعلوه أحياناً مصدر إلهامهم لإيجاد حركات تحرّريّة. ومن هذا يتّضح أنّهم بأيّ نحو وصفوا فيه ميتريا وعصره، فلم يُخرجوه عن كونه شخصاً أبداً.

وميتريا من حيث الأداء منقذ فرديّ إلى ما قبل نزوله من سماء توشيتا، فيستطيع

1.. شريعة بالي: من الكتب البوذيّة، ويشتمل على أقوال بوذا راجع: منجي در آيين بودا (بالفارسيّة: ص ۵۷) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15840
صفحه از 485
پرینت  ارسال به