119
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول

المنقذ في الديانة الهندوسيّة

تُطلق الهنودسيّة على ديانة ذات اتجاهات شتّى، تطوّرت في الهند خلال الثلاثة آلاف عام الأخيرة، وتشكّل الآن عقائد و طقوس دينيّة لما يربو على خمسمئة مليون هندوسي، يعيش ۸۰% منهم في الهند.

ولايمكن فهم الحياة الدينيّة للهندوسيّين إلاّ بإدراك مفهوم الوحدة في الكثرة؛ لأنّ الديانة الهندوسيّة لا تحمل خصائص الأديان الموحّدة بأيّ نحو كانت، فليس لها مؤّس معيّن، ولا عقيدة واحدة، ولا كتاب مقدّس واحد يُسلّم به الجميع، ولا تمتلك حتّى لائحة قوانين أخلاقيّة أو نظام إلهيّ واحد، ولا مفهوم محوريّ واحد عن الإله.

تنطوي الهندوسيّة على عدد متكثّر من مواقف دينيّة في غاية التنوّع، ويلاحظ فيها تارة أديان محلّية صغيرة محسوبة على مستوى عدّة قرى فقط، كما نعثر على فرق كبيرة مثل عقيدة و«شن» أو «فيشنو»، وعقيدة «شيو» أو «شيفا» اللتين يعتنقهما الملايين، ولهما أساطيرهما الثرّة ومعابدهما ورموزهما وإلهيّاتهما الخاصّة، ويمكن عدّ كلّ واحد منهما ديناً من موقعه.۱

وربّما يمكن اعتبار الديانة الهندوسيّة هي الأكثر تنوّعاً في الاتّجاهات والفرق استناداً إلى الأوصاف السابقة، ومع ذلك ففي وسعنا أن نذكر ثلاثة من فرقها أو مذاهبها الأصليّة هي: فيشنو، وشيفا، وشاكتي. وعلى أيّ حال، غدا هذا التنوّع الاعتقادي باعثاً على أن لا تتكثّر الأُصول الاعتقاديّة المشتركة بين المذاهب والفرق الهندوسيّة.

أمّا بحث المنقذ، فعلى الرغم من تطرّق جميع المذاهب الهندوسيّة له، ولكنّه يتجلّى في مذهب فيشنو أكثر من غيره، ولذلك سنمرّ سريعاً فيما يلي على هذا المذهب فحسب.

إنّ المحور الرئيسيّ للمذهب المذكور عبادة فيشنو كإله عظيم هبط مراراً إلى الأرض، وعلى الرغم من أنّ عقيدة اُوتاره (هبوط الإله) يمكن العثور عليها في سائر المذاهب

1.. فرهنگ أديان جهان بالفارسيّة: ص۶۷۵ ـ ۶۷۶.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
118

وتكاملها على مدى تاريخ هذا الدين، وعلاقتها الوثيقة والمباشرة بتعاليم المعاد الأصيلة، كلّ ذلك يزيح الستار عن حقيقة أنّ عقيدة الموعودين طرحها زرادشت نفسه في إطار دقيق لأفكاره عن المعاد، ولأوّل مرّة بهذا التناسق البديع الذي يحتاج إلى مضيّ عدّة قرون من أجل تطوّرها وتكاملها.

أمّا وفقاً للنصوص البهلويّة التي هي تفسير للأفستا والسنّة الشفهيّة لزرادشت ـ على الرغم من ظهورها في العهد الساسانيّ ـ وكذلك التقارير التاريخيّة، فيمكن اعتبار المنقذ الموعود في الديانة الزرادشتيّة من حيث ماهيّته شخصاً أو عدّة أشخاص معيّنين، يظهر مع ثلاثة أفراد بعينهم من دون جوانب إلهيّة كالمسيح، ويعملون بنحو جماعيّ، وتشمل نتائج جهودهم جميع أنحاء الكون بخصائصه المعنويّة والاجتماعيّة، ولذلك يكون لها مردود كونيّ وتجدّد جميع الوجود، ويطهّر أُولئك الموعودون كلَّ العالم ونواحي الوجود من شرّ أهريمن ويغيّرونها، فيترقّى البشر بأجمعهم فوق الأرض من الناحية الروحيّة؛ لأنّ البشر عاشوا عهد اختلاط الخير بالشرّ في العالم وفقاً للعقيدة الزرادشتيّة، ولذلك لم يُمحّضوا وحادوا عن مسيرهم الأصليّ وضلّوا السبيل، ولهذا السبب فإنّ على الإنسان أن يمهّد لأرضيّة انفصاله باتّباعه لـ «أشه»۱ والمنقذ الموعود، ويؤّس عالماً جديداً (فَرْشْكرد).

ولأنّ هذا الحدث لايقع إلاّ مرّة واحدة من وجهة نظر الديانة الزرادشتيّة، وجميع البشر يعيشون بانتظاره، وهو لم يقع لحدّ الآن؛ فيمكن القول بأنّ عقيدة المنقذ تتطلّع إلى المستقبل، ولكنّ الخصائص في فترة الانفصال وما بعدها في العالم الجديد، تتشابه كثيراً مع العهد المينويّ، فجميع الكائنات ـ لا الإنسان فحسب ـ سيعيشون في خصائص العهد المذكور، وهذا مايُفضي إلى الاعتقاد بأنّ نجاة المنقذ تتّكئ على حيثيّة قيميّة تتعلّق بالماضي.

1.. أي الحقيقة المثلى، والحقّ، والنظام (راجع: راهنماى أديان زنده «بالفارسيّة»: ج ۱ ص ۴۶۸).

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    01/01/1398
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15300
صفحه از 485
پرینت  ارسال به