257
موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع

ما هُوَ أملَكُ بِهِ مِنّي ، فَإِنَّما أنَا وأَنتُم عَبيدٌ مَملوكونَ لِرَبٍّ لا رَبَّ غَيرُهُ ، يَملِكُ مِنّا ما لا نَملِكُ مِن أنفُسِنا ، وأخرَجَنا مِمّا كُنّا فيهِ إِلى ما صَلُحنا عَلَيهِ ، فَأَبدَلَنا بَعدَ الضَّلالَةِ بِالهُدى ، وأعطانَا البَصيرَةَ بَعدَ العَمى.
فَأَجابَهُ الرَّجُلُ الَّذي أجابَهُ مِن قَبلُ فَقالَ : أنتَ أهلُ ما قُلتَ ، وَاللّهُ وَاللّهِ فَوقَ ما قُلتَهُ ، فَبَلاؤُهُ عِندَنا ما لا يُكفَرُ ، وقَد حَمَّلَكَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى رِعايَتَنا ووَلّاكَ سِياسَةَ اُمورِنا ، فَأَصبَحتَ عَلَمَنَا الَّذي نَهتَدي بِهِ ، وإمامَنا الَّذي نَقتَدي بِهِ ، وأمرُكَ كُلُّهُ رُشدٌ ، وقَولُكَ كُلُّهُ أدَبٌ ، قَد قَرَّت بِكَ فِي الحَياةِ أعيُنُنا ، وَامتَلَأَت مِن سُرورٍ بِكَ قُلوبُنا ، وتَحَيَّرَت مِن صِفَةِ ما فيكَ مِن بارِعِ الفَضلِ عُقولُنا ، وَلَسنا نَقولُ لَكَ : أيُّهَا الإِمامُ الصّالِحُ تَزكِيَةً لَكَ ، ولا نُجاوِزُ القَصدَ فِي الثَّناءِ عَلَيكَ ، ولَم يَكُن في أنفُسِنا طَعنٌ عَلى يَقينِكَ ، أو غِشٌّ في دينِكَ ، فَنَتَخَوَّفَ أن تَكونَ أحدَثتَ بِنِعمَةِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى تَجَبُّرا ، أو دَخَلَكَ كِبرٌ ، ولكِنّا نَقولُ لَكَ ما قُلنا تَقَرُّبا إلَى اللّهِ عز و جلبِتَوقيرِكَ ، وتَوسُّعا بِتَفضيلِكَ ، وشُكرا بِإِعظامِ أمرِكَ ، فَانظُر لِنَفسِكَ ولَنا ، وآثِر أمرَ اللّهِ عَلى نَفسِكَ وعَلَينا ، فَنَحنُ طُوَّعٌ فيما أمَرتَنا ، نَنقادُ مِنَ الاُمور مَعَ ذلِكَ فيما يَنفَعُنا .
فَأَجابَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : وأنَا أستَشهِدُكُم عِندَ اللّهِ عَلى نَفسي لِعِلمِكُم فيما وُلِّيتُ بِهِ مِن اُمورِكُم ، وعَمّا قَليلٍ يَجمَعُني وإيّاكُمُ المَوقِفُ بَينَ يَدَيهِ وَالسُّؤالُ عَمّا كُنّا فيهِ ، ثُمَّ يَشهَدُ بَعضُنا عَلى بَعضٍ ، فَلا تَشهَدُوا اليَومَ بِخِلافِ ما أَنتُم شاهِدونَ غَدا ، فَإِنَّ اللّهَ عز و جل لا يَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ ، ولا يَجوزُ عِندَهُ إلّا مُناصَحَةُ الصُّدورِ في جَميعِ الاُمورِ .
فَأَجابَهُ الرَّجُلُ ، ويُقالُ : لَم يُرَ الرَّجُلُ بَعدَ كَلامِهِ هذا لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَأَجابَهُ


موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع
256

الغِلِّ ، فَاختَر عَلَينا وأمضِ اختِيارَكَ ، وَائتَمِر فَأَمضِ ائتِمارَكَ ۱ ، فَإِنَّكَ القائِلُ المُصَدَّقُ ، وَالحاكِمُ المُوَفَّقُ ، وَالمَلِكُ المُخَوَّلُ، لا نَستَحِلُّ في شَيءٍ مَعصِيَتَكَ ، ولا نَقيسُ عِلما بِعِلمِكَ ، يَعظُمُ عِندَنا في ذلِكَ خَطَرُكَ ، ويَجِلُّ عَنهُ في أنفُسِنا فَضلُكَ .
فَأَجابَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : إنَّ مِن حَقِّ مَن عَظُمَ جَلالُ اللّهِ في نَفسِهِ وجَلَّ مَوضِعُهُ مِن قَلبِهِ ، أن يَصغُرَ عِندَهُ ـ لِعِظَمِ ذلِكَ ـ كُلُّ ما سِواهُ ، وإنَّ أحَقَّ مَن كانَ كذلِكَ لَمَن عَظُمَت نِعمَةُ اللّهِ عَلَيهِ ولَطُفَ إحسانُهُ إلَيهِ ، فَإِنَّهُ لَم تَعظُم نِعمَةُ اللّهِ عَلى أحَدٍ إلّا زادَ حَقُّ اللّهِ عَلَيهِ عِظَما . وإنَّ مِن أسخَفِ حالاتِ الوُلاةِ عِندَ صالِحِ النّاسِ ، أن يُظَنَّ بِهِم حُبُّ الفَخرِ ، ويوضَعَ أمرُهُم عَلَى الكِبرِ ، وقَد كَرِهتُ أن يَكونَ جالَ في ظَنِّكُم أنّي اُحِبُّ الإِطراءَ ۲ وَاستِماعَ الثَّناءِ ، ولَستُ بِحَمدِ اللّهِ كذلِكَ ، وَلَو كُنتُ اُحِبُّ أن يُقالَ ذلِكَ لَتَرَكتُهُ انحِطاطا للّهِِ سُبحانَهُ عَن تَناوُلِ ما هُوَ أحَقُّ بِهِ مِنَ العَظَمَةِ وَالكِبرياءِ ، ورُبَّما استَحلَى النّاسُ الثَّناءَ بَعدَ البَلاءِ ، فَلا تُثنوا عَلَيَّ بِجَميلِ ثَناءٍ لِاءِخراجي نَفسي إلَى اللّهِ وإلَيكُم مِنَ البَقِيَّةِ في حُقوقٍ لَم أفرُغ من أدائِها ، وفَرائِضَ لابُدَّ مِن إمضائِها ، فَلا تُكَلِّموني بِما تُكَلَّمُ بِهِ الجَبابِرَةُ ، ولا تَتَحَفَّظوا مِنّي بِما يُتَحَفَّظُ بِهِ عِندَ أهلِ البادِرَةِ ، ولا تُخالِطوني بِالمُصانَعَةِ ، ولا تَظُنّوا بِيَ استثِقالاً في حَقًّ قيلَ لي ، ولَا التِماسَ إعظامٍ لِنَفسي لِما لا يَصلُحُ لي ، فَإِنَّهُ مَنِ استَثقَلَ الحَقَّ أن يُقالَ لَهُ أوِ العَدلَ أن يُعرَضَ عَلَيهِ كانَ العَمَلُ بِهِما أثقَلَ عَلَيهِ ، فَلا تَكُفّوا عَنّي مَقالَةً بِحَقٍّ أو مَشورَةً بِعَدلٍ ، فَإِنّي لَستُ في نَفسي بِفَوقِ ما أن اُخطِئَ ، ولا آمَنُ ذلِكَ مِن فِعلي إلّا أن يَكفِيَ اللّهُ مِن نَفسي

1.ائتَمَر : أي شاور نفسه وارتأى قبل مواقعة الأمر ، وقيل : المؤتَمِر : الذي يهمّ بأمرٍ يفعله (النهاية : ج ۱ ص ۶۶ «أمر») .

2.أطريت فلانا : مدحته بأحسن ما فيه ، وقيل : بالغت في مدحه وجاوزت الحدّ (المصباح المنير : ص ۳۷۲ «طرو») .

  • نام منبع :
    موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع
    سایر پدیدآورندگان :
    لجنةٍ من المحققين، رضا برنجكار، سيد محمّد كاظم الطّباطبائي
    تعداد جلد :
    6
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1386
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2563
صفحه از 481
پرینت  ارسال به