لقد بيّن النبي صلى الله عليه و آله في بعض الروايات التي يؤكّد فيها ضرورة معرفة الإمام ، كيف أنّ المجتمع الإسلامي يمكن أن يرجع إلى جاهليّة ما قبل الإسلام .
إنّ كلام الرسول صلى الله عليه و آله في هذا الحديث يُعبّر عن توقّع حصول مثل هذا الخطر فيما لو تمّ مصادرة مسألة الإمامة والقيادة.
مَن الإِمامُ المَطلوبُ مَعرِفَتُهُ ؟
إنّ أدنى تأمّل في مضمون الحديث المذكور ولا سيما في ضوء التفسير الذي طرحناه آنفا يغنينا عن الإجابة على هذا التساؤل بخصوص : من الإمام الذي تضمن إمامته ديمومة الإسلام الحقيقي ، وبإلغائها والجهل بها يتمّ الرجوع إلى الجاهليّة ؟
فهل يمكن تعقّل أن يوجب النبي صلى الله عليه و آله على جميع المسلمين معرفة واتّباع أي إمام متسلّطٍ على رقاب الاُمّة ، بحيث يُؤَدّى الجهل به إلى الموت على الجاهليّة ، حتّى ولو كان ظالما غشوما ومن «أئمّة النار» ۱ بالتعبير القرآني؟!
إنّ من البديهي أن يتحوّل مثل هذا الحديث مستندا للحكّام المنحرفين في تأريخ الإسلام الذين يحاولون تبرير مشروعيّتهم ، وإثبات وجوب طاعتهم على الناس ، وتدعيم قوائم حكمهم ، لذا نجد أنّ من جملة رواة هذا الحديث معاوية بن أبي سفيان ۲ . كما أنّ من البديهي أيضا أن يبادر علماء البلاط ووعّاظ السلاطين وبنفس الدافع إلى تأوّل حديث النبيّ صلى الله عليه و آله وتطبيقه على أئمّة الجور ، ولكن من الواضح أنّ هذا ليس لعجز أو قصور منهم في فهم الحديث ، بل تهكّم وتلاعب بألفاظه.
إنّه من غير الممكن فهم موقف عبداللّه بن عمر الرافض لبيعة الإمام علي عليه السلام ـ كما يروي ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ـ على أساس عدم معرفته بالإمام عليه السلام ، وهو المبادر من ليلته ـ عملاً بحديث «من مات بغير إمام» ـ للدخول على الحجّاج لمبايعة خليفة عصره عبدالملك بن مروان ، حتى لا يبيت ليلة وهو لا يعرف إمام زمانه!!