165
موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع

أجل، إنّ من لا يُقرّ بإمامة عليّ عليه السلام ويعرض عن مبايعته ، لابدّ أن يعترف ويُقرّ بإمامة عبدالملك بن مروان الذي ترك بيعته كفر ورجوع إلى الجاهليّة، ونتيجة ذلك مبايعته بذلك الشكل المُهين لقَدَم عامله السفّاح الحجّاج بن يوسف ! بل بلغ الأمر بعبد اللّه بن عمر أنّه يرى في يزيد بن معاوية الذي ارتكب ما ارتكب بحق الإسلام وأهل البيت عليهم السلام ، مصداقا للإمام في حديث : «من مات بغير إمام» معتبرا الخروج عليه كفرا وارتدادا !
لقد نقل المؤرّخون أنّ أهل المدينة تحرّكوا بعد حادثة كربلاء الأليمة وذلك في سنة ۶۳ هجريّة ، حتّى آل الأمر إلى «واقعة الحرّة» ، فدخل عبداللّه بن عمر على زعيم قريش في هذه النهضة عبداللّه بن مطيع ، فأمر له بوسادة ليجلس فقال له ابن عمر : لم أدخل عليك لأجلس ولكن لاُحدّثك بحديث سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: «مَن خَلَعَ يَدا عَن طاعَةٍ ، لَقِيَ اللّهَ يَومَ القِيامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ ومَن ماتَ ولَيسَ في عُنُقِهِ بَيعَةٌ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً». ۱
اُنظر إلى هذه المهارة في تفسير حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله على خلاف مقصوده صلى الله عليه و آله ! وهذه هي الظاهرة الخطرة التي حذّر الرسول في هذا الحديث وغيره من الأحاديث من الوقوع فيها ، ودعا الاُمّة إلى اتّباع أئمّة الحق .
لقد حُرّف تحذير رسول اللّه صلى الله عليه و آله على يد المتلاعبين بالسياسة من المتظاهرين بالإسلام ، وكذلك على يد أدواتهم وعمّالهم ، وبذلك صار يُساء إلى الحديث من خلال الحديث نفسه ، وإلى الإسلام من خلال الإسلام نفسه ، والنتيجة هي الخروج من عصر العلم والإسلام والرجوع إلى عهد الجاهليّة والكفر ، وذلك عندما نتجاهل موقع الإمامة في المجتمع الإسلامي ، ونغفل وصايا النبي صلى الله عليه و آله في ذلك.
على هذا الأساس فإنّ المقصود بالأحاديث الواردة في أنّ «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» هو التحذير ـ بلا أدنى شك ـ من مغبّة ترك ولاية الأئمّة عليهم السلام الثابت ضرورة التمسّك بها في حديث الثقلين والغدير ومئات الأحاديث الاُخرى الواردة للاُمّة في هذا الشأن .

1.صحيح مسلم : ج ۳ ص ۱۴۷۸ ح ۵۸ عن نافع .


موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع
164

لقد بيّن النبي صلى الله عليه و آله في بعض الروايات التي يؤكّد فيها ضرورة معرفة الإمام ، كيف أنّ المجتمع الإسلامي يمكن أن يرجع إلى جاهليّة ما قبل الإسلام .
إنّ كلام الرسول صلى الله عليه و آله في هذا الحديث يُعبّر عن توقّع حصول مثل هذا الخطر فيما لو تمّ مصادرة مسألة الإمامة والقيادة.

مَن الإِمامُ المَطلوبُ مَعرِفَتُهُ ؟

إنّ أدنى تأمّل في مضمون الحديث المذكور ولا سيما في ضوء التفسير الذي طرحناه آنفا يغنينا عن الإجابة على هذا التساؤل بخصوص : من الإمام الذي تضمن إمامته ديمومة الإسلام الحقيقي ، وبإلغائها والجهل بها يتمّ الرجوع إلى الجاهليّة ؟
فهل يمكن تعقّل أن يوجب النبي صلى الله عليه و آله على جميع المسلمين معرفة واتّباع أي إمام متسلّطٍ على رقاب الاُمّة ، بحيث يُؤَدّى الجهل به إلى الموت على الجاهليّة ، حتّى ولو كان ظالما غشوما ومن «أئمّة النار» ۱ بالتعبير القرآني؟!
إنّ من البديهي أن يتحوّل مثل هذا الحديث مستندا للحكّام المنحرفين في تأريخ الإسلام الذين يحاولون تبرير مشروعيّتهم ، وإثبات وجوب طاعتهم على الناس ، وتدعيم قوائم حكمهم ، لذا نجد أنّ من جملة رواة هذا الحديث معاوية بن أبي سفيان ۲ . كما أنّ من البديهي أيضا أن يبادر علماء البلاط ووعّاظ السلاطين وبنفس الدافع إلى تأوّل حديث النبيّ صلى الله عليه و آله وتطبيقه على أئمّة الجور ، ولكن من الواضح أنّ هذا ليس لعجز أو قصور منهم في فهم الحديث ، بل تهكّم وتلاعب بألفاظه.
إنّه من غير الممكن فهم موقف عبداللّه بن عمر الرافض لبيعة الإمام علي عليه السلام ـ كما يروي ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ـ على أساس عدم معرفته بالإمام عليه السلام ، وهو المبادر من ليلته ـ عملاً بحديث «من مات بغير إمام» ـ للدخول على الحجّاج لمبايعة خليفة عصره عبدالملك بن مروان ، حتى لا يبيت ليلة وهو لا يعرف إمام زمانه!!

1.راجع : القصص : ۴۱ .

2.راجع : ص ۱۵۴ ح ۳۳۴۸ ، هامش ۲ .

  • نام منبع :
    موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع
    سایر پدیدآورندگان :
    لجنةٍ من المحققين، رضا برنجكار، سيد محمّد كاظم الطّباطبائي
    تعداد جلد :
    6
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1386
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2151
صفحه از 481
پرینت  ارسال به