163
موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع

كمثل الوالد للناس ، يربّيهم ويعلّمهم ، فقد ورد في الحديث عنه صلى الله عليه و آله :
إنَّما أنَا لَكُم مِثلُ الوالِدِ اُعَلِّمُكُم . ۱
لقد كان النبيّ صلى الله عليه و آله يطرح نبوّته على أنّها ظاهرة تنطبق والمعايير العقليّة والعلميّة، بحيث يتسنّى معها للعلماء وبسهولة ـ لو شاؤوا ـ معرفة صدقه في دعواه في الارتباط بمبدأ الوجود الأعلى :
« وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ » . ۲
لقد كان صلى الله عليه و آله يحذّر الناس بشدّة من اتّباع ما ليس للإنسان فيه علم ولا يقين ، وكان يتلو عليهم قوله سبحانه:
« وَ لَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ » . ۳
ومن خلال هذه المقدّمة ، يتّضح لنا بأنّ الهدف من الحديث الذي يشير الى ضرورة معرفة الإمام في كلّ عصر ، يتجاوز الإطار الفردي ، فليس المراد هو أنّ المسلم إذا لم يعرف إمام زمانه سيكون غير مسلم في الواقع ، وأنّ إسلامه وكفره سواء حينئذٍ ، بل الأمر الأهمّ الذي يشير له هذا الحديث هو أنّ عصر العلم ـ الذي ابتدأ ببعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ـ لا يمكن أن تكتب له الاستمراريّة ، إلّا اذا عرف المسلمون في كلّ زمان إمامهم واقتدوا به .
ومجمل الكلام : إنّ الإمامة هي الضمانة لاستمرار عصر العلم أو عصر الإسلام الحقّ، وبدون هذه الضمانة سيؤول مصير المجتمع إلى جاهليّة ما قبل الإسلام ، ويستوحي هذا الحديث مضمونه ـ في الواقع ـ من الآية الكريمة التي تستشرف المستقبل حيث تقول:
« وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَـبِكُمْ » . ۴

1.مسند ابن حنبل : ج ۳ ص ۵۳ ح ۷۴۱۳، سنن النسائي : ج ۱ ص ۳۸، سنن ابن ماجة : ج ۱ ص ۱۱۴ ح ۳۱۳ كلّها عن أبي هريرة ، الجامع الصغير : ج ۱ص ۳۹۴ ح ۲۵۸۰.

2.سبأ: ۶.

3.الإسراء: ۳۶.

4.آل عمران: ۱۴۴.


موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع
162

مَن ماتَ ولَيسَ في عُنُقِهِ بَيعَةٌ ، ماتَ ميتةً جاهِلِيَّةً . ۱
وفي الواقع فإنّ أمثال هؤلاء الأشخاص يحاولون صرف هذه الأحاديث عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام الذين اصطفاهم اللّه من العترة الطاهرة ، وتأويلها وتطبيقها على الجهلة وحكّام الجور .
لقد روى ابن أبي الحديد أنّ عبداللّه بن عمر عندما امتنع عن بيعة علي عليه السلام قصد الحَجّاج في تلك اللّيلة ليبايع عبدالملك بن مروان ، حتّى لا يبيت ليلته بدون إمام ، لحديث النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَن باتَ بِغَيرِ إمامٍ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً» ، فبلغ من احتقار الحجّاج له واسترذال حاله أن أخرج رجله من الفِراش فقال : إصفق بيدك عليها ! ۲
على هذا الأساس فإنّ المهم في الحديث هو دلالته وليس صدوره عن النبي صلى الله عليه و آله ۳ . ومن أجل الوقوف على مفاد الحديث ينبغي تحديد المراد بلفظ «الجاهليّة» الوارد فيه .
إنّ عصر الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله في منظار الثقافة الإسلامية هو عصر العلم، بينا يعتبر العصر الذي سبقه عصر الجاهليّة ، بمعنى أنّ الفترة المتقدّمة على بعثة النبيّ صلى الله عليه و آله كانت فترة غياب لمصادر الإشعاع والهداية التي يمكن للناس من خلالها معرفة حقائق الوجود ، وذلك بسبب التحريف الذي لحق الأديان السابقة ، والذي حوّلها إلى خرافات وأوهام تحكم المجتمعات باسم الدين ، فقد تحوّلت تلك الأديان المحرّفة والعقائد الوهميّة في الواقع إلى وسيلة لهيمنة سلطة القهر والقوّة على الإنسان، وهذه حقيقة يشهد لها تأريخ ما قبل الإسلام أيضا .
لقد مثّل عصر النبيّ صلى الله عليه و آله بداية عصر العلم ، وإنّ أهم المسؤوليّات التي نهض بها النبيّ صلى الله عليه و آله هي اجتثاث الخرافات والتحريفات ، وإظهار الحقائق للناس. لقد كان النبيّ صلى الله عليه و آله يرى مَثَله

1.راجع : ص ۱۵۵ ح ۳۳۵۴ .

2.شرح نهج البلاغة : ج ۱۳ ص ۲۴۲ .

3.قال العلّامة الأميني قدس سره: هذه حقيقة راهنة أثبتتها الصحاح والمسانيد فلا ندحة عن البخوع لمفادها، ولا يتمّ إسلام مسلم إلّا بالنزول لمؤدّاها، ولم يختلف في ذلك اثنان، ولا أنّ أحدا خالجه في ذلك شكّ، وهذا التعبير ينمّ عن سوء عاقبة من يموت بلا إمام وإنّه في منتأىً عن أيّ نجاح وفلاح، فإنّ ميتة الجاهليّة إنّما هي شرّ ميتة، ميتة كفر وإلحاد (الغدير: ج ۱۰ ص ۳۶۰) .

  • نام منبع :
    موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع
    سایر پدیدآورندگان :
    لجنةٍ من المحققين، رضا برنجكار، سيد محمّد كاظم الطّباطبائي
    تعداد جلد :
    6
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1386
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2500
صفحه از 481
پرینت  ارسال به