13
موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع

تحقيقه ، وعلى هذا الأساس يمكن أن نفصل بين الأماني الصحيحة والأماني غير الصحيحة ، ثمّ نسعى غاية جهدنا للوصول إلى الأماني الفطريّة الحقيقيّة ، واجتناب الأماني الكاذبة .

ثانيا : ضالّة الإنسان

إنّ فطرة الإنسان تنحو نحو المطلق ، وهي تأمل الوصول إلى مطلق الكمال ، لذا فهي لا تقنع بأيّ حدّ من الكمالات . وهذه الخاصيّة الفطريّة تعدّ إحدى الدلائل المهمّة في معرفة اللّه تعالى ، وقد أشار الإمام الخميني ـ رضوان اللّه عليه ـ إلى هذه النقطة المهمّة في رسالته إلى غرباتشوف ، والّتي جاء فيها :
إنّ الإنسان يسعى بفطرته إلى الحصول على الكمال المطلق، وأنتم تعلمون جيّداً أنّ الإنسان يريد أن يكون صاحب القدرة المطلقة في العالم، ولا يرضى بما دون ذلك . فلو حصل على العالم بأكمله ثمّ قيل: إنّ هناك عالَماً آخر؛ فإنّه يميل بفطرته إلى أن يستولي على ذلك العالم أيضاً ! ولو كان الإنسان عالِماً ـ مهما كان مقدار علمه ـ ثمّ قيل له إنّ هناك علوماً اُخرى أيضاً؛ فإنّه يميل بفطرته إلى تحصيل تلك العلوم وكسبها. إذاً لا بدّ من وجود قدرة مطلقة وعِلم مطلق حتّى ينزع إليه الإنسان، وهو اللّه سبحانه وتعالى الّذي نتحرّك نحوه جميعاً لا شعوريّاً . فالإنسان يسعى دؤوباً لكي يصل إلى الحقّ المطلق ـ وهو اللّه ـ لكي يفنى فيه . ۱
إنّ اللّه تعالى بمنحه الإنسان هذه الميزة الفطريّة ، فهو في الحقيقة إنّما يعلّم الراغبين إليه ۲ ، فكأنّه يقول : أيّها الانسان ، أنا ضالّتك ، وأنا مطلوبك ومأمولك الحقيقي، أنا الكمال المطلق الذي تريده من حيث لا تعلم ، فأنا منتهى الآمال

1.صحيفة الإمام الخميني : رسالة الإمام إلى غرباتشوف بتاريخ : ۱۱ / ۱۰ / ۱۳۶۷ هـ . ش .

2.راجع : ص ۲۷ (معلّم الأمل) .


موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع
12

بحثا وعلما ، ولا اكتشافا جديدا يُذكر في صعيد العلم ، وأخيرا لا يخطو المجتمع الإنساني أيّ خطوة باتّجاه التكامل ، من هنا عبّر النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله عن الأمل بالرحمةِ الإلهيّة المهداة من اللّه تعالى إلى المجتمع البشري . ۱
إنّ الأمر الأساس في مجال استثمار الإنسان لهذه الموهبة الإلهيّة هو كيفيّة صقلها ورعايتها ، حيث إنّ هذه الخاصيّة الفطريّة لو تمّ رعايتها وتنميتها بشكل صحيح لبلغ الإنسان من خلال تحقيق أمانيه إلى حالة الاستقرار والطمأنينة ليكون بشكل تدريجيّ ـ كما يعبّر القرآن الكريم ـ ذا نفس مطمئنّة . ۲
أمّا إذا لم يستطع تربيتها ورعايتها بشكل صحيح ، فهو كمن يتوهّم السراب ماءً ، ويسعى طوال عمره في طلب ذلك السراب ، حتّى ينزل به الموت وهو بعدُ لم يبلغ الغاية ، ولو نال شيئا ممّا كان يتخيّل أنّه يأمل الوصول إليه فإنّه لن يجد فيه مراده ، لذا فهو لا يستشعر الراحة والاستقرار في حياته أبدا ، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام :
مَن سَعى في طَلَبِ السَّرابِ طالَ تَعَبُهُ ، وكَثُرَ عَطَشُهُ. ۳
وقال عليه السلام أيضا :
من أمَّلَ الرِّيَّ مِنَ السَّرابِ خابَ أمَلُهُ ، وماتَ بِعَطَشِهِ. ۴
لهذا فإنّه من أجل تربية الأمل وصقله ينبغي أوّلاً معرفة ما تطلبه الفطرة وتريد

1.راجع : ص ۱۹ ح ۲۸۹۷ .

2.راجع سورة الفجر : الآيات ۲۷ ـ ۳۰ .

3.راجع : ص ۴۸ ح ۲۹۹۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة ميزان الحکمة - المجلّد الرّابع
    سایر پدیدآورندگان :
    لجنةٍ من المحققين، رضا برنجكار، سيد محمّد كاظم الطّباطبائي
    تعداد جلد :
    6
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1386
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2165
صفحه از 481
پرینت  ارسال به