65
الشريف المرتضى و المعتزلة

رؤساء متشيّعة المعتزلة۱.

فهذه بعض النماذج على تأثّر المعتزلة بالشيعة في عصر الحضور، وربّما لا توجد أيّ دعوى لوجود تأثّر معاكس، إلّا الحديث عن تأثّر زيد الشهيد بواصل بن عطاء، وتتلمذه على يديه.۲

ولكن في نهايات عصر الحضور، وبعد حصول الغيبة - أعني القرنين الثالث والرابع - برزت ظاهرتان ملفتتان للنظر لم نكن نشاهدهما بهذا الوضوح فيما سبق، وهي:

الظاهرة الأولى: انتقال بعض المعتزلة إلى المعسكر الإمامي: شهد هذا العصر انتقال مجموعة من المتكلّمين من معسكر الاعتزال إلى معسكر التشيّع الإمامي، فقد ظهر في هذه الفترة عددٌ من متكلّمي المعتزلة ممن تربّى وترعرع في أحضان الاعتزال، وحتّى ربّما ألّف في الدفاع عن هذه المدرسة، إذا بهم يَدَعون هذه المدرسة، ويميلون نحو التشيّع الإمامي، نذكر منهم على سبيل المثال: أبو عيسى الورّاق (ت۲۴۷ه‍ )۳، وابن قِبَة الرازي (ت قبل ۳۱۷ه‍ )، وابن فُسُانْجُس، وابن مملك الأصفهاني۴.

والجدير بالذكر أنّ أبا الحسن الأشعري (ت۳۲۴ه‍ ) أشار في كتابه مقالات الإسلاميّين إلى وجود جماعتين: إحداهما: بعض الشيعة الذين وافقوا المعتزلة في بعض الآراء، والأخرى: جماعة من المعتزلة الذين وافقوا الإمامية في القول بالإمامة، وعبّر عنهم بأنّهم: «قوم يقولون بالاعتزال والإمامة»۵. ولم يُشِر الأشعري إلى أسماء أبناء هاتين الجماعتين، لكن يبدو أنّ أبناء الجماعة الثانية هم أنفسهم المعتزلة الذين انتقلوا إلى المعسكر الإمامي، والذين يمثّلون الظاهرة الأولى المُشار إليها۶.

1.. الخيّاط، الانتصار، ص۱۵۶.

2.. أمين، ضحى الإسلام، ص۶۸۴؛ وهذه دعوى تتطلّب بحثاً خاصاً، نحيله إلى مجال آخر.

3.. الخيّاط، الانتصار، ص۲۲۴، ۲۲۰؛ الأشعري، مقالات الإسلاميّين، ص۶۴.

4.. النجاشي، رجال النجاشي، ص۲۳۶، ۲۶۹، ۳۷۵؛ وانظر: ميرزايي، «نقش معتزليان شيعه شده در گرايش كلام اماميه به اعتزال» (بالفارسية)، مجلّة نقد ونظر، العدد ۶۶.

5.. الأشعري، مقالات الإسلاميّين، ص۴۱.

6.. للمزيد انظر: حسيني ‌زاده خضرآباد، «كلام اماميه پس از دوران حضور، نخستين واگرائى‌ها» (بالفارسية)، مجلّة نقد ونظر، العدد۷۷.


الشريف المرتضى و المعتزلة
64

وبالأخصّ الشيعة الإمامية - بالفكر الاعتزالي، بل علی العكس من ذلك، يمكن رصد بعض الحالات الدالّة على وجود تأثّر للمعتزلة بالفكر الشيعي، وهي:

۱. ما تقدّم من تفاخر المعتزلة وتصريحهم بأنّ أهمّ أصولهم وهي التوحيد والعدل قد أخذوها من كلام أمير المؤمنين علیه السّلام، من طريق تتلمذ واصل على يد أبي هاشم، وتتلمذ الأخير على أبيه محمّد بن الحنفية، الذي كان تلميذاً لوالده العظيم۱. وأميرُ المؤمنين علیه السّلام إمام الشيعة، ومَعِينهم الذي لا ينضب، فهو مَن إليه يَرِدون، ومنه يصدرون، وإليه ينتمون، وبرجوعهم إليه لا إلى غيره يفخرون.

۲. تأثُّر النظّام المعتزلي بهشام بن الحكم: فمن المعروف أنّ النظّام تتلمذ على يد هشام۲، أشهر وأكبر متكلّم إمامي في عصره. وقد ظهرت آثار هذا التأثّر من خلال بعض آراء النظّام، مثل إنكاره لحجّية الإجماع والقياس، وقدحه في بعض الصحابة۳.

۳. تأثُّر معتزلة البصرة - كما قيل - بزرارة بن أعين - أحد كبار متكلّمي وفقهاء الإمامية - في رأيه بالصفات، فقد نسب البغدادي إلى زرارة القول بحدوث الصفات، ثمّ قال: «وعلى منوال هذا الضالّ نسجت القدرية البصرية في القول بحدوث كلام اللّٰه، وعليه نسجت الكرامية في قولها بحدوث قول اللّٰه، وإرادته، وإدراكاته»۴.

۴. تأثُّر معتزلة بغداد برأي الشيعة حول تفضيل أمير المؤمنين علیه السّلام على باقي الخلفاء، وهو يرجع کما تقدّم إلى الخلفية الفكرية لبشر بن المعتمر رأس معتزلة بغداد، الذي قيل إنّه نشأ في الكوفة ذات الميول الشيعية الواضحة۵. وفي الحقيقة إنّ تأثّر معتزلة بغداد بالشيعة أشهر من أن يذكر، حيث وصل الأمر إلى أن يصف الخيّاطُ المعتزليُّ أحدَ كبار معتزلة بغداد - أعني أبا جعفر الإسكافي - بأنّه من

1.. ابن المرتضى، طبقات المعتزلة، ص۷.

2.. القاضي عبد الجبّار، طبقات المعتزلة (ضمن كتاب: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة)، ص۲۵۴؛ البغدادي، الفرق بين الفِرق، ص۱۱۹.

3.. البغدادي، الفرق بين الفِرق، ص۱۲۰.

4.. المصدر السابق، ص۷۶.

5.. ابن المرتضى، طبقات المعتزلة، ص۵۲.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4078
صفحه از 275
پرینت  ارسال به