القاضي في هذه العبارة أبا الأحوص المصري والنوبختيّين بكلّ صراحة إلى القول بالتوحيد والعدل. وقد اضمحلّت هذه التهمة بعد ذلك شيئاً فشيئاً، فلا نجد عالماً شيعياً ذا بال بعد تلك الفترة متّهماً بالتجسيم والتشبيه.
إذن الإيمان بالتوحيد والعدل، ليس أمراً تتبرّأ منه الإمامية، بل هو من صميم تعاليمها التي استقتها من أئمّتها علیهم السّلام، ولكن لا يصحّ تسمية علماء الإمامية باسم المعتزلة لمجرّد قولهم بالتوحيد والعدل، فهو أمر لا يرتضيه كبار علماء المعتزلة.
۴. معتزلة البصرة وبغداد
أسّس واصل بن عطاء الاعتزال في البصرة، فكان الاعتزال بصري المنشأ، وقد استمرّ هذا الفكر يرقى ويتألّق في هذه المدينة، حيث تمكّن من تقديم شخصيات وأسماء فريدة من نوعها تمكّنت من إثراء الفكر الكلامي، وتقديم أفكار علمية وكلامية جديدة، مع عدم خلوّها من كبوات وأخطاء، حالها حال كلّ فكر إنساني، ومن هذه الأسماء اللامعة: أبوالهُذيل العلّاف، والنظّام، والجاحظ، والجبّائيان أبو عليّ وأبو هاشم، وأبو عبد الله البصري (جُعَل)، وقاضي القضاة، وغيرهم. وقد استمرّ فكر الاعتزال البصري المَنشأ في هذه المدينة حيث فرضت عليه البيئة البصرية البعيدة عن التشيّع وأهلِ البيت علیهم السّلام الإيمانَ بمجموعة من العقائد، ومنها تفضيل الخلفاء المتقدّمين على أمير المؤمنين الإمام عليّ علیه السّلام عليه، إلى أن جاء بشر بن المعتمر من الكوفة - ذات الميول الشيعية الواضحة - إلى البصرة، ودرس الفكر الاعتزالي على يد كبار رجاله، ثم ترك البصرة وارتحل إلى بغداد، ولم تؤثّر عليه البيئة البصرية المناوئة لأهل البيت علیهم السّلام، بل بقي وفيّاً لبيئته الكوفيّة المشايعة لهم، ولهذا صرّح بتفضيل الإمام عليّ علیه السّلام على جميع الصحابة بلا استثناء حتّى الخلفاء الثلاثة المتقدّمين عليه، من دون أن يطعن بمن تقدّم عليه من الخلفاء؛ لإيمانه بشرعية خلافتهم، ومن هنا طُرحت فكرة جواز تقديم المفضول على الفاضل إذا اقتضت المصلحة ذلك. وبذلك حصل شرخ وانقسام داخلي بين المعتزلة، فانقسموا إلى شُعبتين بصرية وبغدادية. ولم يقتصر الخلاف بين الشُعبتين المعتزلتين على بحث