61
الشريف المرتضى و المعتزلة

القاضي في هذه العبارة أبا الأحوص المصري والنوبختيّين بكلّ صراحة إلى القول بالتوحيد والعدل. وقد اضمحلّت هذه التهمة بعد ذلك شيئاً فشيئاً، فلا نجد عالماً شيعياً ذا بال بعد تلك الفترة متّهماً بالتجسيم والتشبيه.

إذن الإيمان بالتوحيد والعدل، ليس أمراً تتبرّأ منه الإمامية، بل هو من صميم تعاليمها التي استقتها من أئمّتها علیهم السّلام، ولكن لا يصحّ تسمية علماء الإمامية باسم المعتزلة لمجرّد قولهم بالتوحيد والعدل، فهو أمر لا يرتضيه كبار علماء المعتزلة.

۴. معتزلة البصرة وبغداد

أسّس واصل بن عطاء الاعتزال في البصرة، فكان الاعتزال بصري المنشأ، وقد استمرّ هذا الفكر يرقى ويتألّق في هذه المدينة، حيث تمكّن من تقديم شخصيات وأسماء فريدة من نوعها تمكّنت من إثراء الفكر الكلامي، وتقديم أفكار علمية وكلامية جديدة، مع عدم خلوّها من كبوات وأخطاء، حالها حال كلّ فكر إنساني، ومن هذه الأسماء اللامعة: أبوالهُذيل العلّاف، والنظّام، والجاحظ، والجبّائيان أبو عليّ وأبو هاشم، وأبو عبد الله البصري (جُعَل)، وقاضي القضاة، وغيرهم. وقد استمرّ فكر الاعتزال البصري المَنشأ في هذه المدينة حيث فرضت عليه البيئة البصرية البعيدة عن التشيّع وأهلِ البيت علیهم السّلام الإيمانَ بمجموعة من العقائد، ومنها تفضيل الخلفاء المتقدّمين على أمير المؤمنين الإمام عليّ علیه السّلام عليه، إلى أن جاء بشر بن المعتمر من الكوفة - ذات الميول الشيعية الواضحة - إلى البصرة، ودرس الفكر الاعتزالي على يد كبار رجاله، ثم ترك البصرة وارتحل إلى بغداد، ولم تؤثّر عليه البيئة البصرية المناوئة لأهل البيت علیهم السّلام، بل بقي وفيّاً لبيئته الكوفيّة المشايعة لهم، ولهذا صرّح بتفضيل الإمام عليّ علیه السّلام على جميع الصحابة بلا استثناء حتّى الخلفاء الثلاثة المتقدّمين عليه، من دون أن يطعن بمن تقدّم عليه من الخلفاء؛ لإيمانه بشرعية خلافتهم، ومن هنا طُرحت فكرة جواز تقديم المفضول على الفاضل إذا اقتضت المصلحة ذلك. وبذلك حصل شرخ وانقسام داخلي بين المعتزلة، فانقسموا إلى شُعبتين بصرية وبغدادية. ولم يقتصر الخلاف بين الشُعبتين المعتزلتين على بحث


الشريف المرتضى و المعتزلة
60

لكن يبدو أنّ المرتضى استطاع تبرئة نفسه من هذه التهمة، فقد قال ابن حزم: «ومن قول الإمامية كلّها قديماً وحديثاً أنّ القرآن مبدّل، زِيد فيه ونُقص منه كثير وبُدّل منه كثير، حاشا عليّ بن الحسين بن موسى بن محمّد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وكان إمامياً يُظاهر بالاعتزال، مع ذلك فإنّه كان ينكر هذا القول، ويكفّر من قاله، وكذلك صاحباه أبو يعلى الطوسي وأبو القاسم الرازي»۱. ويعود هذا الأمر إلى تصريح المرتضى في كتبه بأنّ القرآن كان على عهد النبي صلی الله علیه و آله مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن۲. ويمكن اعتبار هذا الأمر نجاحاً شخصياً للمرتضى وصاحبَيه، لا نجاحاً للإمامية، فقد ذكرنا آنفاً أنّهم ما زالوا متّهمين بالقول بتحريف القرآن.

وأمّا تهمة حدوث العلم الإلهي فيبدو أنّ الشيعة نجحوا في تبرئة أنفسهم منها، فلا نجد لها وقعاً كبيراً بين اتّهامات الشيعة الأخرى.

وقد كان للشيعة نجاح كبير في تبرئة أنفسهم من تهمة التجسيم - التي كان أبرز متّهم بها منهم هو المتكلّم الإمامي الكبير هشام بن الحكم - على الرغم من قوّتها، فإنّه لم يمضِ قرن واحد بعد هشام بن الحكم إلّا وظهر علماء من الإمامية - كالنوبختيّين - نسب إليهم القول بالتنزيه ونفي التشبيه والتجسيم (التوحيد). وقد تقدّمت عبارة الجبّائي التي أقرَّ فيها بأنّ الشيعة قد وافقوا المعتزلة في التوحيد والعدل. كما قال القاضي عبد الجبّار عند حديثه عن إثبات الإمامة بالعقل أو السمع: «وإنّما يخرج عن هذه الطريقة مَن يكون مقلّداً ممّن يسلك في الإمامة المسلك الذي ذكرناه، فأمّا مَن لم يتحقّق بما قدّمناه من الطريق في الإمامة، وسلك طريقة متوسّطة بين العقل والشرع ممّن كان يتمسّك بالتوحيد والعدل، فهو بريء مما نسبناه إلى من تقدّم ذكره، كأبي الأحوص والنوبختيّة وغيرهم»۳. فقد نسب

1.. ابن حزم الظاهري، الفِصل في المِلل والأهواء والنِحل، ج۴، ص۱۳۹.

2.. المرتضى، الذخيرة، ص۳۶۳.

3.. القاضي عبد الجبّار، المغني (في الإمامة ۱)، ج۲۰، ص۳۸.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3801
صفحه از 275
پرینت  ارسال به