59
الشريف المرتضى و المعتزلة

المعتزلة قد اختصّوا بهذا الأصل، ولم يؤمن به غيرهم، بل صار الإيمان بذلك عَلَماً وعلامة تميّز المعتزلي عن غيره.

وينبغي هنا التنبيه على نقطة، وهي أنّ الإمامية لم ينكروا التوحيد والعدل حتّى إذا قالوا بهما صاروا من المعتزلة، بل كانوا يقولون بهما منذ البداية، ولكن تعرّض الإمامية منذ فترة مبكّرة من تاريخهم إلى هجمة من قِبَل الآخرين بسبب بعض الاعتقادات التي كانوا يؤمنون ببعضها، ولا يؤمنون بالبعض الآخر، بل كان هذا البعض الآخر مجرّد اتّهام لا جانب له من الصحة. وقد حاول الشيعة أن يبرّؤا أنفسهم من تلك الاعتقادات الباطلة، فنجحوا في تبرئة أنفسهم من بعضها - مثل تهمة التجسيم والجبر -، بينما لم يتمكّنوا من تبرئة أنفسهم من بعضها الآخر - مثل تهمة تحريف القرآن - إلى يومنا هذا، كما سوف يأتي بعد قليل.

وأهمّ هذه الاعتقادات هي: القول بالتشبيه والتجسيم، والبَداء، والرجعة، وحدوث العلم الإلهي، وتحريف القرآن.

وقد اتّهم الشيعة من القرن الثاني ببعض هذه الاعتقادات، يقول الجاحظ (ت۲۵۵ه‍ ) بهذا الصدد في كتاب حجج النبوّة : «ليس على ظهرها رافضي إلّا وهو يزعم أنّ ربّه مثله، وأنّ البدوات تعرض له، وأنّه لا يعلم الشيء قبل كونه إلّا بعلم يخلقه لنفسه»۱.

أمّا القول بالرجعة والبَداء فهو أمر تقول به الشيعة، ولا تتبرّأ منه۲.

وأمّا القول بتحريف القرآن فما زالت الشيعة تتبرّأ منه على طول التاريخ إلى يومنا هذا، لكن من دون جدوى، فما زال أعداء الشيعة يكرّرون هذه التهمة القديمة التي تعب الشيعة من التبرّؤ منها۳، ولكن:

1.. انظر: ابن تيمية، منهاج السنّة النبوية، ج۱، ص۷۲.

2.. انظر: المفید، أوائل المقالات، ص۷۷، ۸۰.

3.. القفاري، أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ج۱، ص۲۹۹-۳۰۳.


الشريف المرتضى و المعتزلة
58

أضف إلى ذلك أنّ المعتزلة أنفسهم لم يكونوا يؤمنون بأنّ مَن آمن بالتوحيد والعدل صار معتزلياً، ونذكر لذلك نموذجين:

أحدهما: لقد حاول أبو عليّ الجبّائي (ت۳۰۳ه‍ ) إقامة تحالف سياسي مع الشيعة بسبب قولهم بالتوحيد والعدل، فقد قال بعض المؤرّخين لتاريخ المعتزلة: «بلغني أنّ أبا عليّ همَّ بأن يجمع بين المعتزلة والشيعة بالعسكر، وقال: قد وافقونا في التوحيد والعدل، وإنّما خلافنا في الإمامة، فاجتمِعوا حتى تكونوا يداً واحدة. فصدّه محمّد بن عمر الصيمري»۱. لقد كان واضحاً لدى أبي عليّ أنّ المعتزلة غير الشيعة رغم إيمانهم بالتوحيد والعدل، ولذلك لم يسمَّهم بالمعتزلة أبداً، فمجرّد القول بذينك الأصلين لا يسمحان بهذه التسمية.

والآخر: قال الخيّاط المعتزلي (ت۳۰۰ه‍ ): «وليس يستحقّ أحد منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة...فإذا كملت فيه هذه الخصال فهو معتزلي»۲. وهذه العبارة صريحة في رفض أن يسمّى أحدٌ بالاعتزال مع عدم قوله بالأصول الخمسة كلّها.

ولهذا ولغيره كان تعبير الشيخ المفيد عن الاعتزال أكثر دقّة وأقرب إلى الواقع، حيث جعل المائز الحقيقي للاعتزال هو الإيمان بالمنزلة بين المنزلتين۳، وهي المسألة الأولى التي اشتهر بها المعتزلة وامتازوا بها، وهي التي كانت البداية التي دعت إلى انفصال واصل بن عطاء عن درس الحسن البصري، وإلى تأسيس فرقة كلامية جديدة باسم المعتزلة، كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك. وإذا راجعنا التاريخ وجدنا أنّ

1.. القاضي عبد الجبّار، طبقات المعتزلة (ضمن كتاب: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة)، ص۲۹۱.

2.. الخيّاط، الانتصار، ص۱۸۸. ولا بأس بالإشارة هنا إلى كلام المسعودي حول هذا الموضوع، فإنّ فيه تأييداً لاعتبار الأصول الخمسة كلّها ضرورية لأجل إطلاق اسم الاعتزال، فقد قال بعد تعداده لأصول المعتزلة الخمسة: "فهذا ما اجتمعت عليه المعتزلة، ومَن اعتقد ما ذكرنا من هذه الأصول الخمسة كان معتزلياً، فإن اعتقد الأكثر أو الأقلّ لم يستحقّ اسم الاعتزال، فلا يستحقّه إلّا باعتقاد هذه الأصول الخمسة" (المسعودي، مروج الذهب، ج۳، ص۲۲۲-۲۲۳).

3.. المفید، أوائل المقالات، ص۳۷ - ۳۸.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3915
صفحه از 275
پرینت  ارسال به