الفصل الثاني:
المعتزلة
۱. عقلية الاعتزال
اقترن اسم المعتزلة في التاريخ الإسلامي باسم العقل، فقد ظهر تيّار الاعتزال كتيّار يحمل بين طيّاته الشيء الكثير من الحيوية والإبداع، واستطاع هذا التيّار بكاريزمية وجاذبية خاصّة من استقطاب العديد من الشباب الطامح والمتفتّح، والذي تعب من المساجلات الفكرية الفارغة بين أهل الحديث والخوارج والمرجئة، فجاء ليسدّ فراغاً هامّاً في العقلية الإسلامية من خلال اعتماد العقل كمنهج أساسي في معرفة الحقائق والعقائد الدينية. وقد مهّد بذلك لدخول العقل الإسلامي إلى مرحلة الفلسفة التي وصلت بالعقل إلى مَدَيات بعيدة.
هذا هو الانطباع العامّ عن المعتزلة لدى معظم المفكّرين، وهو صحيح إلى حدًّ بعيد، لكنّه لا يحاكي الحقيقة بالدقّة، فإنّ ما هو مشهور من اعتماد المعتزلة على العقل فقط وفقط ليس دقيقاً جدّاً، بل كانت لهم إلى جانب ذلك مصادرهم الأخرى التي اعتمدوها، فهم آمنوا بمفاد الأخبار المتواترة ونتائج الإجماع - إجماع المسلمين، أو المؤمنين - ونظّروا لذلك وشرحوه۱. إضافة إلى تفاخرهم الدائم بأنّ ما اشتهروا به من التوحيد والعدل إنّما أخذوه من كلام أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السّلام۲، وهذا يعني أنّهم أخذوا هذه العقائد المهمّة والخطيرة من مصدر غير العقل، إلّا أنّهم قاموا بدعم تلك