25
الشريف المرتضى و المعتزلة

محمّد بن دريد (ت۳۲۱ه‍ )، وأبي بكر محمّد بن القاسم بن الأنباري (ت۳۲۸ه‍ )، والمرزباني (ت۳۸۵ه‍ )، وأبي عليّ الفارسي (ت۳۷۷ه‍ )، وابن جنّي (ت۳۹۲ه‍ ). كما ظهر في مجال الشعر أبو الطيّب المتنبي (ت۳۵۴ه‍ )، وأبو العلاء المعرّي (ت۴۴۹ه‍ ). ومجرّد الاطلاع على قائمة أسماء هؤلاء الأعلام يدلّ على مدى ما وصلت اليه الحضارة الإسلامية من تطوّر ورُقيّ، قلّما يوجد في قرن آخر.

ونحن لا نودُّ في هذا المجال التعريف بما آلت إليه الحضارة الإسلامية العريقة من تطوّر وتألّق خلال القرنين الرابع والخامس، فقد أغنتنا دراسات سابقة، أثْرَت البحثَ في ذلك، مثل أبحاث آدم متز في كتابه الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري۱، وجوئل كرمر في كتابه المترجم إلى الفارسية تحت عنوان: (البَعثُ الثقافي في عصر البويهيين: النزعة الإنسانية في عصر النهضة الإسلامي)۲، وأحمد أمين في كتابه ظُهر الإسلام. وإنّما نودُّ في هذه الفرصة استعراض بعض جوانب الحياة الفكرية للشيعة الإمامية في هذين القرنين، والتي لم تُوْلَ اهتماماً كبيراً من جانب الكثير من الباحثين، فإنّ الشيعة لم يكونوا بمنأى عن التطوّر العلمي والثقافي في عصرهم، بل كانوا دوماً على مقربة من مراكز الحياة العلمية في عصرهم بل في قلبها، أعني بذلك الكوفة وبغداد، إضافة إلى تواجدهم الملحوظ في الريّ والبصرة.

ففي بغداد نرى حضوراً شيعياً قوياً، فنجد هناك شخصيات شيعية بارزة من أمثال هشام بن الحكم ومحمّد ابن أبي عمير۳، كما نشاهد النوّابَ الأربعة في عصر الغيبة الصغرى يقيمون في بغداد، ويمكثون فيها حتى آخر لحظة من حياتهم. وقد استمرّ الوجود العلمي الشيعي في بغداد بقوّة إلى سنة ۴۴۷ه‍ ، حيث دخل السلاجقة إلى بغداد وتمكّنوا من تحديد الوجود الشيعي فيها، الذي استطاع أن يستعيد الحياة بعد فترة من الزمن۴.

1.. ترجمة محمّد عبدالهادي أبو ريدة.

2.. ترجمة محمّد سعيد حنائي كاشاني.

3.. النجاشي، رجال النجاشي، ص۳۲۶، ۴۳۳.

4.. ابن الجوزي، المنتظم، ج۱۵، ص۳۴۸.


الشريف المرتضى و المعتزلة
24

والقدوة في اللغة، وبه الأسوة في العلوم العربية كلّها، وهو المرجع في تفسير كتاب الله العزيز. وجماع القول أنّك لا تجد فضيلة إلّا وهو ابن بجدتها. أضف إلى ذلك كلّه نسبه الوضَّاح، وحسبه المتألّق، وأواصره النبوية الشذية، ومآثره العلوية الوضيئة، إلى أياديه الواجبة في تشييد المذهب، ومساعيه المشكورة عند الإمامية جمعاء، وهي التي خلّدت له الذكر الحميد، والعظمة الخالدة»۱.

إلى غير ذلك من الكلمات الدالّة على مقام المرتضى الرفيع ومنزلته السامية، حتى اعتبره البعض كابن الأثير مجدّداً لمذهب الإمامية على رأس المائة الرابعة۲.

۳. عصره

لقد تميّز القرنان الرابع والخامس الهجريان بنقلة نوعية في مجالات العلم والثقافة، فقد تألّقت فيهما أسماء لامعة قدّمت تراثاً علمياً ثرَّاً في مختلف جوانب المعرفة الإنسانية. إنّه عصر تأسيسي لكثير من النظريات والمدارس الفكرية، حيث صار من جاء بعدها عيالاً عليها. فقد تميّزت القرون اللاحقة لهذه الفترة بالشروح والتعليقات على تراث هذا العصر، وصار عباقرة الفترات اللاحقة يتباهون بالانتماء إلى شخصيات هذا العصر - كقاضي القضاة عبد الجبّار، وأبي الحسين البصري، وأبي الحسن الأشعري، والباقلّاني، والشيخ المفيد، والشيخ الطوسي – وعلى رأسهم الشريف المرتضى.

وقد نشأ الشريف المرتضى في عصر مفعم بحياة فكرية وعلمية نشطة قلّما توجد في عصر آخر. ففي مجال الحديث ظهر مجموعة من كبار رجالات الحديث، كان منهم الشيخ الصدوق (ت۳۸۱ه‍ )، وأبو الحسن الدارقُطني (ت۳۸۵ه‍ )، والتلعكبري (ت۳۸۵ه‍ )، والحاكم النيسابوري (ت۴۰۵ه‍ ).

وفي مجال اللّغة ورواية الأدب ظهرت شخصيات لامعة وعملاقة مثل أبي بكر

1.. الأميني، الغدير، ج۴، ص۲۶۴.

2.. ابن الأثير، جامع الأصول في أحاديث الرسول، ج۱۱، ص۳۱۹.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3922
صفحه از 275
پرینت  ارسال به