193
الشريف المرتضى و المعتزلة

المتعارفة عند الإمامية، لكنّه لم يكن تابعاً محضاً للمعتزلة في هذه المسألة، بل رفض عدداً من أدلّتهم التي أقاموها على نظريتهم، كما قَبلِ بأدلّة لم يقبلوا بها، إضافة إلى أنّه كان لرفضه للنظرية الكلاسيكية عند الإمامية عوامل مختلفة منها عوامل نفسية مهّد لها الشيخ المفيد كما تقدّم. إذن لم يقف المرتضى أمام المعتزلة مكتوف اليد، بل استطاع أن يجتهد في قبول ما يمكن قبوله ورفض ما لم يقم عليه الدليل، على الرغم من أنّه يمكن القول بأنّه قد تابع معتزلة البصرة في أصل النظرية؛ لعدم وجود قائل بها عند الإمامية قبل ذلك.

ثم إنّ أحد أهمّ الأدلّة التي تمسّك بها المرتضى لإثبات نظريته في الإنسان هي وجود المدح والذمّ، فهو قد آمن بأنّ المدح والذمّ يتوجّه إلى هذا الإنسان المُشاهَد، وقد استفاد المرتضى من هذه الطريقة لإثبات جملة من الأبحاث المهمّة كما تقدّم، مثل إثبات اختيارية الإنسان، واكتسابية المعرفة۱، فإنّ توجّه المدح والذمّ للإنسان يدلّ من وجهة نظر المرتضى على اختيارية الإنسان في أفعاله، وعلى كونه مكتسِباً للمعرفة لا مضطرّاً إليها، وعلى أنّ الإنسان هو هذا الجسم المُشاهَد. ويمكن إرجاع طريقة المدح والذمّ کما تقدّم إلى ما قبل معتزلة البصرة بكثير، أي إلى عهد أمير المؤمنين علیه السّلام، حيث جاء في رواية الشيخ الذي سأل الإمام علیه السّلام عند انصرافه من صفّين عن القدر، فقال الإمام علیه السّلام: «...فلم تكن لائمة للمذنب، ولا مَحمَدة للمحسن...»۲.

ويبدو أنّ هذه الطريقة لم تلقَ قبولاً لدى معتزلة البصرة ككلّ، بينما اهتمّ بها المرتضى، وأسّس عليها مجموعة من المسائل كما تقدّم، وهو يدلّ على وجود استقلال فكري واضح له أمام معتزلة البصرة، والمعتزلة بصورة عامّة.

۸. الألم والعوض

من المسائل المهمّة التي تعرّض لها المتكلّمون من الإمامية والمعتزلة والتي تعتبر من فروع أبحاث العدل هي بحث الألم والعوض، حيث قام المتكلّمون بالبحث عن

1.. المصدر السابق، ص۱۶۶.

2.. الكليني، الكافي، ج۱، ص۱۱۹ - ۱۲۰.


الشريف المرتضى و المعتزلة
192

الأعضاء الجسدية حياة لم يحصل فيها إدراك، وصارت كالشعر والظفر التي لا يوجد فيها إدراك ولا حياة۱. وقد تبنّى معتزلة البصرة هذا الدليل۲.

الدليل الثالث: أنّ الفعل المبتدأ - في مقابل الفعل المخترع والمتولّد - يظهر في أطراف هذا الجسم المُشاهَد، فالإنسان يضرب بيده، ويمشي برجله، و يرى بعينه وهكذا، وهو يدلّ على أنّ هذا الجسم هو الحيّ، وهو الإنسان حقيقة، ولو كان شيئاً غير هذا الجسم لكان يجب أن تخلق هذه الأفعال في اليد والرجل، والخلق - الذي يسمّيه المرتضى: الاختراع - بهذا الشكل مستحيلٌ أن يصدر من غير الله تعالى، وفقاً لمباني المرتضى الخاصّة۳.

كما أنّه قد يثقل على الإنسان حملُ الجسم الثقيل بإحدى يديه، فإذا استعان بالأخرى تمكّن من ذلك، فلو كانت حقيقة الإنسان وقدرته في غير هذا الجسم المُشاهَد، لما كان هناك فرق بين اليد الواحدة واليدين۴.

ردّ النظرية الأولى

إنّ الذي دعا المرتضى إلى ردّ أن تكون حقيقة الإنسان شيئاً غير هذا الجسم هو مبناه القائل: إنّ القادر بقدرة لا يمكن أن يخلق أشياء في غيره، وإنّما فِعله يكون إمّا ابتداءً مباشرةً أو بالتوليد، أي لابدّ من اتّصال مباشر بين الإنسان وفعله أو غير مباشر، ولهذا إذا كانت حقيقة الإنسان غير هذا الجسم لم يمكن أن تؤثّر في الأشياء بصورة مباشرة (ابتداء) أوغير مباشرة (بالتوليد)، بل سيكون تأثيرها هو ما يسمّى ب «الاختراع»، لكنّ الاختراع من مختصّاته تعالى، فلا يصحّ الاختراع بالنسبة للإنسان.

النتيجة

لقد وافق المرتضى معتزلةَ البصرة في أصل فكرة حقيقة الإنسان، ورفض النظرية

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۱۱۴ - ۱۱۸.

2.. القاضي عبد الجبّار، المغني (التكليف)، ج۱۱، ص۳۱۴.

3.. المرتضی، الذخيرة، ص۱۱۴-۱۱۵؛ القاضي عبد الجبّار، المغني (التكليف)، ج۱۱، ص۳۱۸.

4.. المرتضی، الذخيرة، ص۱۱۵.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3726
صفحه از 275
پرینت  ارسال به