191
الشريف المرتضى و المعتزلة

ثانياً: والدليل الآخر الذي أقامه المعتزلة هو أنّ الإنسان يعلم أنّ من يخاطبه إنّما يخاطبه وهو قاصد للمخاطبة، وهذا العلم إنّما يحصل عند مشاهدة ذلك المخاطَب، وهذا يدلّ على أنّ القاصد إليه هو هذا الجسم المُشاهَد دون غيره.

وأجاب المرتضى بأنّ المشاهدة طريق العلم وليست موجبة للعلم؛ لأنّها قد تحصل من دون تحقّق العلم، كما في النائم والبهيمة والطفل فهم يدركون ولا يعلمون، إذن ما المانع من أن يفعل الله تعالى العلم الضروري بقصدِ من يخاطبنا و يواجهنا بالكلام، وإن لم نشاهد ذاته۱.

وعلى هذا، فقد رفض المرتضى دليلين من أدلّة المعتزلة، حيث وَصَفَ الأوّل منهما بأنّه من أشفّ ما استدلّوا به، وفي المقابل قام بطرح ثلاثة أدلّة على نظريته المختارة:

الدليل الأوّل: جميع الأحكام المتوجّهة إلى الحيّ، نراها متوجّهة إلى هذا الجسمِ والجملةِ المُشاهَدَةِ، مثل المدح والذمّ، والأمر والنهي، فإنّ هذه الأحكام توجّه إلى هذا الجسم، فهو المأمور والمنهي وهو الممدوح والمذموم، وهذا يدلّ على أنّ الإنسان هو هذا الجسم۲.

وقد تقدّم أنّ هذه الطريقة هي نفس الطريقة التي أثبت المرتضی بها اختيار الإنسان واكتسابية معارفه۳، فهذه الطريقة وهذا الدليل ذو فوائد وثمار كثيرة. وقد أشار المرتضى في بحث آخر إلى أنّ أبا هاشم رفض هذه الطريقة في الاستدلال، واعتبر أنّ هذه الأحكام لا تدلّ على شيء۴. وهو يعني أنّ المرتضى لم يأخذ هذا الاستدلال من أبي هاشم.

الدليل الثاني: إدراك الحرارة و البرودة والألم وغيرها يحصل بكلّ أعضاء الجسم، وهو يدلّ على أنّ الحيّ هو هذه الأعضاء وهذا الجسم ككلّ، وإذا لم يكن في

1.. المصدر السابق، ص۲۳۳ - ۲۳۴.

2.. المرتضى، الذخيرة، ص۱۱۴ - ۱۱۷.

3.. المصدر السابق، ص۱۶۶.

4.. المرتضی، الملخّص، ص۴۵۳.


الشريف المرتضى و المعتزلة
190

السؤال الثاني والثالث من هذه المسائل على الإشكالات التي يمكن أن توجّه إلى تلك النظرية، إلّا أنّ المرتضى قام بالإجابة على تلك الإشكالات، سادّاً الباب أمام كلّ محاولة لتغيير رأيه، وثنيه عن عزمه.

وبالطبع لم يَمَسّ تبنّي المرتضى لهذه النظرية شيئاً من هيبته وعظمته عند الإمامية، فالخلاف حول حقيقة الإنسان ليس خلافاً حول أصل هامّ من أصول الدين، وهكذا نجد أنّ أبا يعلى الجعفري والذي تقدّم أنّه كان من المؤيّدين للنظرية الأولى، وقد ألّف رسالة لتأييدها، ورفض النظرية الأخرى، نجده يشارك في تغسيل المرتضى عند موته۱، الأمر الذي يدلّ على أنّ هذا الاختلاف لم يُفسِد في الودّ قضية.

لقد بدأ الشريف المرتضى طريقه في الاستدلال على نظريته المختارة حول حقيقة الإنسان برفض دليلين مهمّين أقامهما المعتزلة على ذلك، وهما:

أوّلاً: إنّ الإنسان يعلم بأحوال ذاته - من إرادة واعتقاد - ضرورة، وإذا كان كذلك فلا يجوز أن يعلم بذاته بالاستدلال، ولو كان الإنسان غير هذه الجملة لكان العلم بذاته استدلالياً وكسبياً، بينما تقدّم أنّه لا يجوز العلم بأحوال ذاته ضرورة مع كون العلم بذاته استدلالياً، إذن لابدّ أن تكون ذاته هي هذه الجملة، كي يكون العلم بها ضرورياً أيضاً۲.

لقد وصف المرتضى هذا الدليل بأنّه أشفّ ما استدلّ به الشيوخ (أي المعتزلة)۳، لكنّه رفضه باعتبار أنّه على فرض عدم كون الإنسان هو هذه الجملة فإنّه يمكن افتراض أنّ علمه بذاته بصورة اجمالية علم ضروري، نعم علمه بها بصورة تفصيلية بحاجة إلى استدلال، وحينئذ سيكون علمه بذاته (إجمالاً) وأحوالها ضرورياً معاً، وبذلك يرتفع الإشكال۴.

1.. النجاشي، رجال النجاشي، ص۲۷۱.

2.. المرتضى، جوابات المسائل الطرابلسية الأولى (مخطوط)، ص۲۳۳؛ المرتضی، الذخيرة، ص۱۱۳.

3.. المرتضی، جوابات المسائل الطرابلسية الأولى (مخطوط)، ص۲۳۳؛ القاضي عبد الجبّار، المغني(التكليف)، ج۱۱، ص۳۲۶.

4.. المرتضی، جوابات المسائل الطرابلسية الأولى (مخطوط)، ص۲۳۳.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3852
صفحه از 275
پرینت  ارسال به