ثانياً: والدليل الآخر الذي أقامه المعتزلة هو أنّ الإنسان يعلم أنّ من يخاطبه إنّما يخاطبه وهو قاصد للمخاطبة، وهذا العلم إنّما يحصل عند مشاهدة ذلك المخاطَب، وهذا يدلّ على أنّ القاصد إليه هو هذا الجسم المُشاهَد دون غيره.
وأجاب المرتضى بأنّ المشاهدة طريق العلم وليست موجبة للعلم؛ لأنّها قد تحصل من دون تحقّق العلم، كما في النائم والبهيمة والطفل فهم يدركون ولا يعلمون، إذن ما المانع من أن يفعل الله تعالى العلم الضروري بقصدِ من يخاطبنا و يواجهنا بالكلام، وإن لم نشاهد ذاته۱.
وعلى هذا، فقد رفض المرتضى دليلين من أدلّة المعتزلة، حيث وَصَفَ الأوّل منهما بأنّه من أشفّ ما استدلّوا به، وفي المقابل قام بطرح ثلاثة أدلّة على نظريته المختارة:
الدليل الأوّل: جميع الأحكام المتوجّهة إلى الحيّ، نراها متوجّهة إلى هذا الجسمِ والجملةِ المُشاهَدَةِ، مثل المدح والذمّ، والأمر والنهي، فإنّ هذه الأحكام توجّه إلى هذا الجسم، فهو المأمور والمنهي وهو الممدوح والمذموم، وهذا يدلّ على أنّ الإنسان هو هذا الجسم۲.
وقد تقدّم أنّ هذه الطريقة هي نفس الطريقة التي أثبت المرتضی بها اختيار الإنسان واكتسابية معارفه۳، فهذه الطريقة وهذا الدليل ذو فوائد وثمار كثيرة. وقد أشار المرتضى في بحث آخر إلى أنّ أبا هاشم رفض هذه الطريقة في الاستدلال، واعتبر أنّ هذه الأحكام لا تدلّ على شيء۴. وهو يعني أنّ المرتضى لم يأخذ هذا الاستدلال من أبي هاشم.
الدليل الثاني: إدراك الحرارة و البرودة والألم وغيرها يحصل بكلّ أعضاء الجسم، وهو يدلّ على أنّ الحيّ هو هذه الأعضاء وهذا الجسم ككلّ، وإذا لم يكن في