أنّهما تفضّلٌ من الله تعالى على من علم أنّه سيُحسِن الانتفاع بهذه المقامات۱.
إذن لقد أنكر الشيخ المفيد هذه الثمرات بحجّة أنّها تؤدّي إلى التناسخ۲. كما رفض المفيد كلّ فكرة حول وجودٍ للإنسان سابق على هذا العالم، وبذلك أغلق الباب أمام الكثير من العقائد والآراء الناظرة لذلك، والتي كانت نظريته في حقيقة الإنسان تسهّل الإيمان بها. وفي الحقيقة لقد أفرغ المفيد نظريته تلك من محتواها، وأفقدها الكثير من ثمارها التي كان يمكن أن تترتّب عليها.
نعم لقد آمن بثمرة أخرى لهذه النظرية، لكنّها تتعلّق بعالم ما بعد الموت، وهي أنّ الله تعالى يخلق لأصحاب القبور أجساماً تشبه أجسامهم التي كانت لهم في هذه الدنيا، فينعّم المؤمنين فيها ويعذّب الكفّار والفسّاق فيها أيضاً، أمّا أجسامهم السابقة فباقية على حالها في القبر، وقد صرّح المفيد بأنّ هذه العقيدة تتلائم مع نظريته حول حقيقة الإنسان۳. إنّ هذه الثمرة رغم أهميّتها، لكن لا نعلم لماذا لم يرفضها المفيد بذريعة التناسخ؟ أليس فيها انتقالاً للروح من جسد إلى جسد، أم أنّ التناسخ المرفوض خاصٌّ بعالم ما قبل هذه الدنيا، دون ما بعدها؟ الأمر غامض. وعلى أيّ حال، فإنّ المفيد قد قام بإفراغ نظريته حول الإنسان من الكثير من محتواها، الأمر الذي مهّد لرفض أصل النظرية والإيمان بالنظرية الثانية من قبل تلميذه الشريف المرتضى.
النظرية الثانية
ظهر الشريف المرتضى في عصرٍ كانت النظرية السائدة فيه حول حقيقة الإنسان بين متكلّمي الإمامية هي النظرية الأولى المبنيّة على إعطاء طابع مجرّد وغير مادّي للإنسان، وإعطاء الجانب المادّي له طابع الأداة والآلة التي يمكن استبدالها في أيّ وقت والاستغناء عنها، لكنّه كان يرقب إلى جانب هذه النظرية نظرية أخرى أخذ نجمها يصعد ويتألّق، إنّها نظرية المعتزلة البصريين المتأخّرين أبي عليّ وأبي هاشم