187
الشريف المرتضى و المعتزلة

أنّهما تفضّلٌ من الله تعالى على من علم أنّه سيُحسِن الانتفاع بهذه المقامات۱.

إذن لقد أنكر الشيخ المفيد هذه الثمرات بحجّة أنّها تؤدّي إلى التناسخ۲. كما رفض المفيد كلّ فكرة حول وجودٍ للإنسان سابق على هذا العالم، وبذلك أغلق الباب أمام الكثير من العقائد والآراء الناظرة لذلك، والتي كانت نظريته في حقيقة الإنسان تسهّل الإيمان بها. وفي الحقيقة لقد أفرغ المفيد نظريته تلك من محتواها، وأفقدها الكثير من ثمارها التي كان يمكن أن تترتّب عليها.

نعم لقد آمن بثمرة أخرى لهذه النظرية، لكنّها تتعلّق بعالم ما بعد الموت، وهي أنّ الله تعالى يخلق لأصحاب القبور أجساماً تشبه أجسامهم التي كانت لهم في هذه الدنيا، فينعّم المؤمنين فيها ويعذّب الكفّار والفسّاق فيها أيضاً، أمّا أجسامهم السابقة فباقية على حالها في القبر، وقد صرّح المفيد بأنّ هذه العقيدة تتلائم مع نظريته حول حقيقة الإنسان۳. إنّ هذه الثمرة رغم أهميّتها، لكن لا نعلم لماذا لم يرفضها المفيد بذريعة التناسخ؟ أليس فيها انتقالاً للروح من جسد إلى جسد، أم أنّ التناسخ المرفوض خاصٌّ بعالم ما قبل هذه الدنيا، دون ما بعدها؟ الأمر غامض. وعلى أيّ حال، فإنّ المفيد قد قام بإفراغ نظريته حول الإنسان من الكثير من محتواها، الأمر الذي مهّد لرفض أصل النظرية والإيمان بالنظرية الثانية من قبل تلميذه الشريف المرتضى.

النظرية الثانية

ظهر الشريف المرتضى في عصرٍ كانت النظرية السائدة فيه حول حقيقة الإنسان بين متكلّمي الإمامية هي النظرية الأولى المبنيّة على إعطاء طابع مجرّد وغير مادّي للإنسان، وإعطاء الجانب المادّي له طابع الأداة والآلة التي يمكن استبدالها في أيّ وقت والاستغناء عنها، لكنّه كان يرقب إلى جانب هذه النظرية نظرية أخرى أخذ نجمها يصعد ويتألّق، إنّها نظرية المعتزلة البصريين المتأخّرين أبي عليّ وأبي هاشم

1.. المفيد، أوائل المقالات، ص۶۳ - ۶۴.

2.. المفيد، المسائل السروية، ص۴۶؛ المفيد، أوائل المقالات، ص۶۳ - ۶۴.

3.. المفيد، أوائل المقالات، ص۷۷.


الشريف المرتضى و المعتزلة
186

ورَوَى أيضاً: «إنّ الروحَ إذا فارقت الجسدَ، نُعّمت وعُذّبت»۱.

ثمرات النظرية الأولى

وقد حاول بعض القائلين بهذه النظرية أن يستثمرها، فمع افتراض أنّ حقيقة الإنسان هي الروح لا هذا الجسد، فسوف یمكن افتراض أن يكون الإنسان (الروح) قد اجتاز امتحاناً قبل أن يأتي إلى هذا العالم ونجح فيه، فاستحقّ بذلك أن ينال مرتبة رفيعة في عالمنا - كمرتبة النبوّة أو الإمامة - كجائزة مقابل نجاحه في ذلك العالم. وقد ذهب النوبختيان أبو سهل وأبو محمّد إلى ذلك، فقالا إنّ النبوّة والإمامة استحقاقيتان، استحقّهما صاحبهما نتيجة أعمالٍ قام بها في عالم آخر، وليست هذه المقامات تفضّلاً من الله تعالى على النبيّ أو الإمام۲. وقد مهّدت نظريّتهم حول الإنسان الإيمانَ بهذه العقائد، إذ لو كان الإنسان مجرّد هذا الجسد - كما سيأتي في النظرية الثانية - الحادث والمخلوق في هذا العالم، لم يمكن تقبّل هذه العقائد بسهولة، إلّا أن يفترض أنّ هذا الجسد قد خلق في عالم آخر ثم فنى ثم أعيد خلقه في هذا العالم، وهو لم يقل به أحد من متكلّمي الإمامية بحسب الظاهر.

إذن لقد استطاع النوبختيان استثمار نظريّتهم حول الإنسان لتسهيل قبول بعض العقائد. كما كان بإمكان القائلين بالنظرية الأولى حول الإنسان الإيمانُ بعالم الذرّ، وأنّ الأرواح خلقت قبل هذا الجسد، من دون أن يواجهوا أيَّ إشكال هامّ.

لكن عندما وصلت النوبة إلى الشيخ المفيد - وهو أحد المؤمنين بهذه النظرية - قام برفض كلّ هذه الثمرات، بل رفض كلّ وجود للروح قبل الجسد، بحجّة أنّ هذا نوع من التناسخ المرفوض، فإنّ افتراض وجود الروح قبل الجسد، يعني أنّها كانت متلبّسة بجسد آخر، ثم فارقته وانتقلت إلى الجسد الفعلي، وهذا تناسخ. وبذلك رفض فكرة عالم الذرّ ووجود الروح قبل الجسد، وقام بتأويل الآيات والروايات الدالّة على ذلك۳. كما قام بإنكار فكرة استحقاقية مقام النبوّة والإمامة، وذهب إلى

1.. المصدر السابق، ص۶۰.

2.. المفيد، أوائل المقالات، ص۶۳ - ۶۴.

3.. المفيد، المسائل السروية، ص۳۷ - ۵۴.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4026
صفحه از 275
پرینت  ارسال به