185
الشريف المرتضى و المعتزلة

النظرية هو المسألة الرابعة من المسائل السروية للشيخ المفيد التي بحث فيها حول الإنسان، ولهذا لا نعرف الأدلّة العقلية التي أقاموها لتبرير نظريّتهم، حتّى إنّ بعض المتكلّمين المتأخّرين من الذين قاموا بتقرير هذه النظرية واستدلّوا عليها - كالعلّامة الحلّي -، اكتفوا بذكر دليل الفلاسفة العقلي عليها، ولم يذكروا الأدلّة العقلية للمتكلّمين من الإمامية على ذلك، وبهذا سوف تبقى أدلّة المتكلّمين العقلية على تجرّد حقيقة الإنسان، في خانة المجهول.

أمّا الأدلّة النقلية التي أقاموها، فهي على نوعين:

۱. أدلّة قرآنية: مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبَّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيَّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)۱. فأخبر تعالى أنّ الإنسان غيرُ الصورة، وأنّه مركّب فيها، ولو كان الإنسان هو الصورة لم يكن لقوله تعالى: (فِى أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ) معنى؛ لأنّ المركّب في الشيء غيرُ الشيء المركّب فيه، ولا مجال لأن تكون الصورة مركّبة في نفسها وعينها.

وقال تعالى في حقّ مؤمن آل فرعون: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبَّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)۲. فأخبر أنّه حيّ ناطق منعّم، وإن كان جسمه على ظهر الأرض، أو في بطنها.

وقال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبَّهِمْ يُرْزَقُونَ)۳. فأخبر أنّهم أحياء، وإن كانت أجسادهم على وجه الأرض میّتة لا حياة فيها۴.

۲. أدلّة روائية: منها ما رواه الشيخ المفيد عن الصادقين علیهما السّلام: «إذا فارقت أرواح المؤمنين أجسادهم، أسكنها الله تعالى في أجسادهم التي فارقوها، فينعّمهم في جنّته»۵.

1.. الانفطار، الآيات: ۶ - ۸.

2.. يس، الآيتان: ۲۶ - ۲۷.

3.. آل عمران، الآية ۱۶۹.

4.. المفيد، المسائل السروية، ص۶۰ - ۶۱.

5.. المصدر السابق، ص۶۱.


الشريف المرتضى و المعتزلة
184

وصل الأمر إلى الشيخ المفيد الذي جرى على ما جرى عليه أستاذه أبو الجيش۱، وقد انتقلت هذه النظرية إلى بعض تلامذة المفيد، أعني خليفته أبا يعلى الجعفري۲. والظاهر أنّ الإمامية قد اعتمدوا بالدرجة الأولى في هذه النظرية على الأحاديث الواردة عن أهل البيت علیهم السّلام۳، حتى لقد وَصَفَ بعضُ مَن أنكر هذه النظرية واتّبع النظريةَ التاليةَ، وَصَفَ مَن آمن بهذه النظرية ب«الحشوية»۴، وهو مصطلح له دلالاته، فإنّه يدلّ على متابعة ظواهر الأحاديث من دون إعمال العقل فيها، وهو يدلّ على ما ذكرناه من أنّ أهمّ دليل أقامَهُ أتباع هذه النظرية هو الدليل النقلي والسمعي. ومن تلك الروايات التي يمكن أن تكون دالّة على هذه النظرية، ما رواه أبو ولّاد الحنّاط عن الإمام جعفر الصادق علیه السّلام، قال: قلتُ له: جُعِلتُ فداك، يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش؟ فقال: «لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، ولكن في أبدانٍ كأبدانهم»"۵. وهذا يعني أنّهم يخرجون من أبدانهم، ويتلبّسون بأبدان جديدة، وهو يدلّ على أنّ حقيقتهم غير هذا البدن والجسم.

أمّا الدليل العقلي فقد ذكر الشيخ المفيد أنّ له أدلّة من هذا النوع على هذه النظرية، لكنّه لم يذكرها۶، ولعلّه ذكرها في كتاب آخر له يحمل عنوان: كتاب الكلام في الإنسان۷، ولکنّه كتاب مفقود. وممّا يؤسف له أنّ جميع الكتب التي ألّفت لدعم هذه النظرية - والتي تقدّمت الإشارة إليها - قد فقدت، ولم يبق لها أثر بحسب الظاهر، وإنّ أهم مصدر بل المصدر الوحيد المتبقّي من مؤلّفات المؤمنين بهذه

1.. المفيد، المسائل السروية، ص۵۸-۵۹.

2.. النجاشي، رجال النجاشي، ص۴۰۴.

3.. المفيد، المسائل السروية، ص۶۰-۶۱.

4.. المقري النيسابوري، التعليق، ص۱۰۸.

5.. الكليني، الكافي، ج۳، ص۲۴۴.

6.. المفيد، المسائل السروية، ص۶۱.

7.. النجاشي، رجال النجاشي، ص۴۰۰.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4062
صفحه از 275
پرینت  ارسال به