153
الشريف المرتضى و المعتزلة

جماعة الإمامية في إثبات قدرة الله تعالى على غير العدل. وبذلك لا يمكن عدُّ المرتضى معتزلياً بسهولة فيما يتعلّق ببحث القدرة.

۴. العلم

استدلّ المرتضى على العلم الإلهي بالإحكام والإتقان، كما آمن بعموم علمه تعالى وأزليّته۱. وهذه الأبحاث مما أجمع عليها الإمامية، ووردت في روايات أهل البيت علیهم السّلام، قال الشيخ المفيد: «وأقول: إنّ الله تعالى عالم بكلّ ما يكون قبل كونه، وأنّه لا حادث إلّا وقد علمه قبل حدوثه، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوماً إلّا وهو عالم بحقيقته، وأنّه سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وبهذا قضت دلائل العقول والكتاب المسطور والأخبار المتواترة عن آل الرسول صلی الله علیه و آله، وهو مذهب جميع الإمامية»۲.

وبذلك لا يكون المرتضى في بحث العلم تابعاً إلّا لأسلافه من الإمامية دون المعتزلة.

۵. الحياة

اختلف المتكلّمون أيضاً حول حقيقة صفة أخرى، وهي صفة الحياة، بعد أن اتّفقوا على إثباتها له تعالى۳، فذهب المرتضى إلى أنّ الحيّ هو: «من لا يتعذّر كونه عالماً قادراً، أو من لا يصحّ أن يكون عالماً قادراً إلّا هو»۴. ويبدو من التعريف أنّه يريد إيجاد تعريف مشترك بين الحياة عند الله تعالى، والحياة عند المخلوقات، فإنّه لو قال: إنّ الحيّ هو من يجب أن يكون عالماً قادراً - كما هو الأمر في شأنه تعالى - لما شمل الكثير من المخلوقات التي قد تفقد بعض هذه الصفات لكنّها تبقى توصف بالحياة، فالنائم مثلاً فاقد للعلم بالفعل، لكنّه حيّ۵، هذا من جهة. ومن جهة

1..المرتضی، الذخيرة، ص۵۸۲-۵۸۳؛ المرتضی، الملخّص، ص۸۲، و ذكر في هذه الصفحة: «وأمّا ما به يثبت كونه تعالى عالماً في ما لم يزل ولا يزال، وعالماً بسائر المعلومات قادراً، فسنذكرهما فيما بعد».

2.. المفید، أوائل المقالات، ص۵۴-۵۵.

3.. العلّامة الحلّي، كشف المراد، ص۲۸۷.

4.. المرتضی، الذخيرة، ص۵۸۵.

5.. المصدر السابق، ص۱۵۶.


الشريف المرتضى و المعتزلة
152

بأنّه قادر، والمراد بذلك أنّه يختصّ بحال لكونه عليها يصحّ منه إيجاد الأفعال»۱، فقد جزم القاضي هنا بنظرية الأحوال، على خلاف المرتضى.

وقد اختلف المرتضى مع أبي هاشم في دلالة الفعل، فكان أبو هاشم يرى أنّ الفعل يدلّ على أنّ فاعله قادر وحيّ وموجود، بينما ذهب المرتضى إلى أنّ الفعل لا يدلّ على أكثر من أنّ فاعله قادر، أمّا الحياة والوجود فبحاجة إلى مقدّمات وأدلّة إضافية لإثباتهما. وقام بمناقشة ثلاثة أدلّة أقامها أبو هاشم لإثبات مطلوبه۲.

أمّا قدرة الله تعالى على فعل القبيح والظلم، فقد اختلفت كلمة المعتزلة حولها، فحُكي عن النظّام، والأسواري، والجاحظ أنّ وصفه تعالى بالقدرة على الظلم والكذب محال۳. فيما وصف كبار المعتزلة الله تعالى بالقدرة على ذلك كأبي الهذيل، وأكثر أصحابه، والجبّائييَّن، وبشر بن المعتمر، والإسكافي، والقاضي عبد الجبّار۴. أمّا الإمامية فقد ذهب جماعتهم إلى إثبات قدرة الله تعالى على خلاف العدل۵، فيما خالف بعضهم في ذلك۶.

وقد وافق المرتضى جماعة الإمامية في ذلك، وإن كان استدلّ على ذلك بأدلّة معتزلية۷، فلا يعدّ تابعاً لهم في هذه المسألة، وإن كان قد استعمل أيضاً في إثبات هذه الفكرة لغة اعتزالية۸.

ونتيجة البحث حول القدرة هي أنّ المرتضى لم يجزم بوجود حال القدرة بالصورة التي جزم القاضي بها. كما خالف أبا هاشم في سعة دلالة الفعل. وأخيراً وافق

1.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الفرَق غير الإسلامية)، ج۵، ص۲۰۴.

2.. المرتضی، الملخّص، ص۷۷ - ۸۰.

3.. القاضي عبد الجبّار، المغني (التعديل والتجوير)، ج۶، ص۱۲۷.

4.. المصدر السابق، ص۱۲۸-۱۲۹.

5.. المفید، أوائل المقالات، ص۵۶.

6.. انظر: الأشعري، مقالات الإسلاميین، ص۳۵، حيث نقل اختلاف الإمامية حول الموضوع.

7.. المرتضی، الملخّص، ص۳۲۴، وقارن مع: القاضي عبد الجبّار، المغني (التعديل والتجوير)، ج۶، ص۱۲۹.

8.. المرتضی، الملخّص، ص۳۳۱، وقارن مع: القاضي عبد الجبّار، المغني (التعديل والتجوير)، ج۶، ص۱۶۱.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3741
صفحه از 275
پرینت  ارسال به