145
الشريف المرتضى و المعتزلة

فائدة من اللّقب في حقّه تعالى۱.

إذا تأمّلنا في النظرية التي تبنّاها المرتضى حول الصفات، وجدنا أنّها من مقتضيات العقلانية التي تبنّاها الأخير، وحاول بناء منظومته الفكرية الكلامية على أساسها، فإنّ مَن يَعتمد على معطيات العقل ويعطيه دوراً مستقلّاً، فبطبيعة الحال سوف يميل إلى النظرية الأولى، أي نظرية عدم توقيفية الأسماء والصفات، خاصّة مع عدم وجود إجماع أو خبر متواتر مخالف لها. ومن الواضح أنّ العقلانية والتأكيد على العقل ليس من خصوصيات الفكر المعتزلي، بل هو ممّا أكّدت عليه تعاليم أئمّة أهل البيت علیهم السّلام، فمن الممكن أن يكون المرتضى قد تأثّر في تبنّيه لهذه النظرية بتلك التعاليم، أو أنّه تأثّر ببعض متكلّمي الإمامية المتقدّمين عليه، حيث عرفنا أنّ الإمامية منقسمون على أنفسهم في تبنّي نظرية واحدة في هذا المجال، ولا يصحّ الجزم بتأثّره بالمعتزلة في ذلك.

۲. نظرية الأحوال

لقد شكّلت مسألة الصفات الإلهية وكيفية اتّصاف الذات الإلهية بها مشكلة عويصة أرّقت المتكلّمين وشغلت أفكارهم لمدّة طويلة، فظهرت مدارس ونظريات متعدّدة ومتنازعة أدّت إلى انقسام المتكلّمين إلى فِرَق مختلفة اعتُبرت انعكاساً للاختلاف الدائر حول الصفات، فآمن الأشاعرة بوجود صفات زائدة على الذات وقديمة بقِدم الذات، الأمر الذي لم يرتضِه المعتزلة، ورفضوه رفضاً باتّاً، فيما ذهب بعض المعتزلة ومنهم أبو عليّ الجبّائي (ت۳۰۳ه‍ ) إلى اعتبار الصفات عين الذات، لكن يبدو أنّ هذه النظرية لم تفِ بما كان يريده أبو هاشم الجبّائي (ت۳۲۱ه‍ )، فقام بإبداع نظرية جديدة أثارت جدلاً طويلاً، وحشدت لنفسها مؤیّدين ومعارضين كُثُراً.

ولأجل بيان أساس الإشكالية في مسألة الصفات نقول: لقد حاول أبو هاشم حلَّ مشكلةٍ كان معمر - أحد كبار معتزلة بغداد (ت۲۱۵ه‍ ) - من قَبلِه حاول أن يجد لها

1.. المصدر السابق، ص۵۷۲ - ۵۷۳.


الشريف المرتضى و المعتزلة
144

الوحيد لإطلاقها هو إدراك العقل لها - أي إنّ العقل يرى جواز إطلاق بعض الأوصاف عليه تعالى - أو لا يجوز ذلك، ويتوقّف إطلاق الصفات عليه تعالى على إذنِ الشارع؟

ظهر اختلاف قديم بين المتكلّمين حول هذه المسألة، فكان المعتزلة ممن تبنّى النظرية الأولى، أي أنّ السمع ليس هو المصدر الوحيد للتعرّف على الأوصاف الإلهية، بل هناك مصدر آخر إلى جانبه يمكننا من خلاله التعرّف على صفات أخرى وهو العقل. أمّا الإمامية فقد ذهب العديد منهم إلى النظرية الثانية، وأنّ إطلاق الأوصاف المختلفة عليه تعالى موقوف على إذنِ الشارع بذلك، ولا يجوز ذلك بمجرّد العقل۱. فيما ذهب بعض آخر منهم إلى تبنّي النظرية الأولى. وممّن تبنّى النظرية الثانية من الإمامية الشيخ المفيد۲، فيما كان المرتضى أحد الإمامية الذين صبّوا اهتمامهم على النظرية الأولى معتبرين الثانية نظرية خاطئة۳.

وقد ميّز المرتضى بين الصفات والألقاب۴، فجوّز وصف الله تعالى بأوصاف مختلفة اعتماداً على إدراك العقل، من دون الحاجة للرجوع إلى السمع، فيما منع من ذلك في الألقاب، فلا يجوز إطلاق ألقابٍ عليه تعالى إلّا بإذنٍ شرعي؛ لعدم الفائدة من ذلك بالاعتماد على العقل؛ لأنّ فائدةَ وضع اللقب هو الإشارة إلى الغائب إذا غاب، فزيدٌ مثلاً إذا كان حاضراً أشرنا إليه بالإشارة الحسّية، لكن إذا غاب أشرنا إليه بلقبه، أي باسمه «زيد»، أمّا الله تعالى فعلى الرغم من أنّه غائب لكن يمكننا أن نشير إليه دائماً من خلال الأوصاف التي لا يشاركه فيها أحد، فلا

1.. المفيد، أوائل المقالات، ص۵۳.

2.. المصدر السابق.

3.. المرتضى، الذخيرة، ص۵۷۰، ۵۷۱ - ۵۷۲.

4.. والفرق بينهما أنِّ الصفة تفيد فائدة مخصوصة، وتدلّ على بعض خصوصيات ذي الصفة، مثل ضارب وقادر وعالم، أمّا اللقب فلا يدلّ على خصوصيةٍ من خصوصيات ذي اللقب، وإنّما يقوم بتعريفه، ومن أهمّ مصاديقه أسماءُ الأعلام، مثل زيد وعمرو.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3928
صفحه از 275
پرینت  ارسال به