179
موسوعة العقائد الإسلاميّة - المجلّد الأوّل

وأمّا الإنسان ، فنظرا لكونه مركّبا من عقل وشهوة فهو حرّ ولديه القدرة على الاختيار ، وهذا هو ما يوجب أفضليّة الإنسان على سائر الموجودات الاُخرى ، ولعلّه لأجل هذه الأفضليّة أثنى ۱ الباري تعالى على ذاته عند خلقه للإنسان .
وهذا هو مَرَدُّ الرواية الواردة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال :
ما مِن شَيءٍ أكرَمَ عَلَى اللّهِ مِنِ ابنِ آدَمَ. قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ولَا المَلائِكَةُ ؟ قالَ : المَلائِكَةُ مَجبورونَ بِمَنزِلَةِ الشَّمسِ وَالقَمَرِ. ۲
ومن الطبيعيّ أنّ هذه الفضيلة الموجودة في كيان الإنسان بالقوّة لا تجد طريقها إلى حيّز التطبيق إلّا عندما يستثمر الإنسان هذه الحرّيّة من أجل تكامله الاختياري ، أما إذا أساء استغلالها واندحر العقل في مواجهته للشهوة فحينذاك تتحوّل نعمة الحرّيّة إلى نقمة . لهذا قال الإمام عليّ عليه السلام ـ ضمن حديثه الذي نقلناه في بيان تركيب العقل والجهل ـ :
فَمَن غَلَبَ عَقلُهُ شَهوَتَهُ فَهُوَ خَيرٌ مِنَ المَلائِكَةِ ، ومَن غَلَبَت شَهوَتُهُ عَقلَهُ فَهُوَ شَرٌّ مِنَ البَهائِمِ. ۳

1.«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَـنَ مِن سُلَــلَةٍ مِّن طِينٍ ... فَتَبَارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الْخَــلِقِينَ» المؤمنون : ۱۲ ـ ۱۴ .

2.شُعب الإيمان : ج ۱ ص ۱۷۴ ح ۱۵۳ ، تاريخ بغداد : ج ۴ ص ۴۵ ح ۱۶۵۲ ، الفردوس : ج ۴ ص ۱۰۵ ح ۶۲۳۱ وفيه «مثل» بدل «بمنزلة» وكلّها عن عبداللّه بن عمرو [ بن العاص] ، كنز العمّال : ج ۱۲ ص ۱۹۲ ح ۳۴۶۲۱ .

3.راجع : ص ۱۷۳ ح ۱۱ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة - المجلّد الأوّل
178

هذين العنصرين في وجود الإنسان . قال الإمام عليّ عليه السلام في بيانه لهذا التركيب :
إنَّ اللّهَ عز و جل رَكَّبَ فِي المَلائِكَةِ عَقلًا بِلا شَهوَةٍ ، ورَكَّبَ فِي البَهائِمِ شَهوَةً بِلا عَقلٍ ، ورَكَّبَ في بَني آدَمَ كِلَيهِما. ۱
لقد سُمّي عنصر الجهل في هذا الحديث «شهوة» ؛ فللملائكة عقل فحسب ، وللبهائم عنصر الشهوة فحسب ، فالملائكة عقل محض ، والبهائم جهل محض ، في حين ينطوي كيان الإنسان على مزيج مركّب من العقل والجهل ، أو العقل والشهوة ، أو العقل والنفس الأمّارة .

۴ . الحكمة من تركيب العقل والجهل

إنّ أهمّ قضيّة تتعلّق بخلق العقل والجهل هي الحكمة الكامنة وراء مزج هذين العنصرين المتضادّين ، ولماذا أودع اللّه الحكيم في كيان الإنسان النفس الأمّارة؟ ولماذا خلق له شهوة تدفع به نحو حضيض الجاهليّة؟ ولماذا لم يخلقه كالملائكة ، مجرّد عقل بلا شهوة لكي لا يحوم حول الرذائل؟
الجواب على ذلك : هو أنّ الخالق الحكيم أراد أن يخلق كائنا له قدرة على الاختيار ، فالحكمة والسرّ الكامن وراء هذا التركيب الممزوج من العقل والجهل في الإنسان هو خلق موجود حرّ له قدرة على الاختيار .
فالملائكة بما أنّهم مجرّدون من الشهوة يمتنع صدور القبيح منهم ۲ ، ولهذا لا يمكنهم اختيار طريق آخر غير ما يأمر به العقل .
وكذلك البهائم ؛ بما أنّها مجرّدة من العقل فهي غير قادرة على اختيار طريق غير الطريق الذي تدعوها إليه شهوتها .

1.راجع : ص ۱۷۳ ح ۱۱ .

2.«لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ» التحريم : ۶ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    رضا برنجكار
    تعداد جلد :
    6
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    02/01/1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3737
صفحه از 480
پرینت  ارسال به