127
موسوعة العقائد الإسلاميّة - المجلّد الأوّل

حرّية التظاهر بالعقيدة في رأي الإسلام

إنّ التروّي في القرآن والأحاديث الإسلامية والتاريخ الإسلامي كذلك يدلّ بأنّ الإسلام يعترف بحرّية التعبير عن العقيدة والتظاهر بها اعترافا رسميا ، ولا دين يولي هذه الحرّية ما يوليها الإسلام من الاحترام .
فإنّ الإسلام لا يكتفي بالاعتراف بالحرّية في إظهار العقيدة فحسب ، وإنّما يرشد القرآن الكريم الناس إلى ضرورة استماع الأقوال المختلفة والآراء والعقائد المتباينة ، ونقدها ودراستها بفكر حرّ ، حتّى إذا ما استقرَّ التحقيق بهم على أفضل الكلام وأحكمه اختاروه واتّخذوه مقياسا للعمل ، وبعبارة اُخرى : إنَّ من تعاليم القرآن هو أن يتخذ الإنسان في حرية الرأي طريقا لتكامل العقائد الصحيحة واختيار أفضلها ، قال عزّ من قائل :
«فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ» . ۱
إنّ الحرّية في الإسلام لا تقتصر على إظهار العقيدة ، فالإنسان حرٌّ في إبداء الرأي حتّى وإن كان مخالفا لما يعتقده ويؤمن به ، وعلى الرغم من أنّ الإسلام يستهجن هذا العمل ويستوجب له العقوبة الاُخروية ، إلّا أنّه لا يجبره بالقوّة مطلقا على الاعتراف بالحقّ الذي يعرفه .
وفي القرآن آيات عديدة تنصُّ صراحةً على أنّه لا إكراه في الإيمان ، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ليس مكلّفا بإرغام الناس على الإيمان عنوةً .

ما الإيمان ؟

الإيمان هو التصديق الذي يصطحبه الإقرار والعمل بمقتضاه ، والإقرار بالعقائد

1.الزمر : ۱۷ و ۱۸ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة - المجلّد الأوّل
126

عينه ، وأمّا تفصيل هذا الإجمال فيقتضي دراسة رأي الإسلام بالنسبة لكلّ معنىً من معاني حرّية العقيدة على حدة .

حرّية اختيار العقيدة في رأي الإسلام

سبق أن قلنا لدى بيان رأي العقل في حرّية اختيار العقيدة : إنَّ معتقدات الإنسان ليست خاضعةً لإرادته حتّى يعتقد بشيء أو لايعتقد به ، وقلنا أيضا : إنَّ العقيدة ليست كاللباس للإنسان خياره في انتقائه ، ومتى ماشاء بدّله ، أو يُضطَرّ على غير هوى منه إلى تبديله ، وإنّما العقيدة كالحبّ ، لا تتغيّر إلّا إذا تغيّر منشأها .
فالعقيدة اذاً ليست أمراً اختياريا حتى يتمّ البحث عن حرّية الاختيار في الإسلام ، ومن ثَمَّ حينما جاءت طائفة من الأعراب من بني أسد إلى النبيّ صلى الله عليه و آله في موسم الجفاف وأعلنت إسلامها غير مؤمنين بالعقيدة الإسلامية بل لدوافع مادّية ألجأتها إلى هذا الاختيار ۱ نزلت الآية الكريمة وهي قوله تعالى :
«قَالَتِ الْأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَ لَـكِن قُولُواْ أسْلَمْنَا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْاءِيمَـنُ فِى قلُوبِكُمْ» . ۲
والإسلام هو الإفصاح عن الإيمان بالمعتقدات الإسلامية ، والإيمان هو اعتقاد القلب بتلك العقائد وأمّا الإفصاح عن الرأي فيخضع لإرادة الإنسان ، ولكن اعتقاد القلب ليس كذلك . وعليه ، يمكن للإنسان أن يتظاهر بعقيدةٍ مّا لدوافع مختلفة ، أمّا الاعتقاد المؤمِن فهو من شأن القلب ، وهناك فقط عندما تَخْتَمِرُ الروح بالعقائد الإسلامية يمكن للإنسان أن يدّعي الإيمان .

1.راجع : مجمع البيان : ج ۹ ص ۲۰۷ .

2.الحجرات : ۱۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    رضا برنجكار
    تعداد جلد :
    6
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    02/01/1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3779
صفحه از 480
پرینت  ارسال به