117
موسوعة معارف الکتاب و السنّة المجلّد العاشر

اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَ تَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ » ۱ ؛ أي تَتوبونَ ، فَعِندَ ذلِكَ « قَالُواْ يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ » الآيَةَ . ۲ فَقالَ يَعقوبُ : « إِنِّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَ أَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ » ۳ ، فَانتَزَعَهُ حَذَراً عَلَيهِ مِن أن تَكونَ البَلوى مِنَ اللّهِ عز و جل عَلى يَعقوبَ في يوسُفَ خاصَّةً ؛ لِمَوقِعِهِ مِن قَلبِهِ وحُبِّهِ لَهُ .
قالَ : فَغَلَبَت قُدرَةُ اللّهِ وقَضاؤُهُ ونافِذُ أمرِهِ في يَعقوبَ ويوسُفَ وإخوَتِهِ ، فَلَم يَقدِر يَعقوبُ عَلى دَفعِ البَلاءِ عَن نَفسِهِ ولا عَن يوسُفَ ووُلدِهِ ، فَدَفَعَهُ إلَيهِم وهُوَ لِذلِكَ كارِهٌ مُتَوَقِّعٌ لِلبَلوى مِنَ اللّهِ في يوسُفَ .
فَلَمّا خَرَجوا مِن مَنزِلِهِم لَحِقَهُم مُسرِعاً ، فَانتَزَعَهُ مِن أيديهِم فَضَمَّهُ إلَيهِ وَاعتَنَقَهُ وبَكى ، ودَفَعَهُ إلَيهِم ، فَانطَلَقوا بِهِ مُسرِعينَ مَخافَةَ أن يَأخُذَهُ مِنهُم ولا يَدفَعَهُ إلَيهِم . فَلَمّا أمعَنوا بِهِ أتَوا بِهِ غَيضَةَ ۴ أشجارٍ ، فَقالوا : نَذبَحُهُ ونُلقيهِ تَحتَ هذِهِ الشَّجَرَةِ فَيَأكُلُهُ الذِّئبُ اللَّيلَةَ ، فَقالَ كَبيرُهُم : « لَا تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِى غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ » ۵ ، فانطَلَقوا بِهِ إلَى الجُبِّ فَأَلقَوهُ فيهِ وهُم يَظُنُّونَ أنَّهُ يَغرَقُ فيهِ ، فَلَمّا صارَ في قَعرِ الجُبِّ ناداهُم : يا وُلدَ رومينَ ! أقرِؤوا يَعقوبَ مِنِّي السَّلامَ ، فَلَمّا سَمِعوا كَلامَهُ قالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ : لا تَزالوا مِن هاهُنا حَتّى تَعلَموا أنَّهُ قَد ماتَ .
فَلَم يَزالوا بِحَضرَتِهِ حَتّى أمسَوا ورَجَعوا إلى أبيهِم « عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُواْ يَاأَبَانَآ إِنَّا

1.يوسف : ۸ و ۹ .

2.يوسف : ۱۱ و ۱۲ .

3.يوسف : ۱۳ .

4.الغيضة : الأجمّة ، وهي مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۹۷ «غيض») .

5.يوسف : ۱۰ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة المجلّد العاشر
116

شَيئاً ، فَاستَرجَعَ وَاستَعبَرَ وشَكا ما بِهِ إلَيَّ ، وباتَ طاوِياً حامِداً لي ، وأَصبَحَ لي صائِماً ، وأَنتَ يا يَعقوبُ ووُلدُكَ شِباعٌ ، وأَصبَحتَ وعِندَكُم فَضلَةٌ مِن طَعامِكُم !
أوَ ما عَلِمتَ يا يَعقوبُ أنَّ العُقوبَةَ وَالبَلوى إلى أولِيائي أسرَعُ مِنها إلى أعدائي ؟ وذلِكَ حُسنُ النَّظَرِ مِنّي لِأَولِيائي وَاستِدراجٌ مِنّي لِأَعدائي . أما وعِزَّتي ! لَاُنزِلُ عَلَيكَ بَلوايَ ، ولَأَجعَلَنَّكَ ووُلدَكَ غَرَضاً لِمَصابي ۱ ، ولَاُوذِيَنَّكَ ۲ بِعُقوبَتي ، فَاستَعِدّوا لِبَلوايَ ، وَارضَوا بِقَضائي، وَاصبِروا لِلمَصائِبِ .
فَقُلتُ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السلام : جُعِلتُ فِداكَ مَتى رَأى يوسُفُ الرُّؤيا ؟ فَقالَ : في تِلكَ اللَّيلَةِ الَّتي باتَ فيها يَعقوبُ وآلُ يَعقوبَ شِباعاً وباتَ فيها ذِميالُ طاوِياً جائِعاً ، فَلَمّا رَأى يوسُفُ الرُّؤيا وأَصبَحَ يَقُصُّها عَلى أبيهِ يَعقوبَ ، فَاغتَمَّ يَعقوبُ لِما سَمِعَ مِن يوسُفَ مَعَ ما أوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ أنِ استَعِدَّ لِلبَلاءِ ، فَقالَ يَعقوبُ لِيوسُفَ : لا تَقصُص رُؤياكَ هذِهِ عَلى إخوَتِكَ ؛ فَإِنّي أخافُ أن يَكيدوا لَكَ كَيداً . فَلَم يَكتُم يوسُفُ رُؤياهُ وقَصَّها عَلى إخوَتِهِ .
قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : وكانَت أوَّلُ بَلوى نَزَلَت بِيَعقوبَ وآلِ يَعقوبَ الحَسَدَ لِيوسُفَ لَمّا سَمِعوا مِنهُ الرُّؤيا . قالَ : فَاشتَدَّت رِقَّةُ يَعقوبَ عَلى يوسُفَ ، وخافَ أن يَكونَ ما أوحَى اللّهُ عز و جلإلَيهِ مِنَ الاِستِعدادِ لِلبَلاءِ هُوَ في يوسُفَ خاصَّةً ، فَاشتَدَّت رِقَّتُهُ عَلَيهِ مِن بَينِ وُلدِهِ ، فَلَمّا رَأى إخوَةُ يوسُفَ ما يَصنَعُ يَعقوبُ بِيوسُفَ وتَكرِمَتَهُ إيّاهُ وإيثارَهُ إيّاهُ عَلَيهِمُ ، اشتَدَّ ذلِكَ عَلَيهِم ، وبَدَأَ البَلاءُ فيهِم ، فَتَآمَروا فيما بَينَهُم وقالوا : إنَّ يوسُفَ وأَخاهُ «أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ *

1.في بحار الأنوار : «لمصائبي» .

2.في بعض المصادر كالجواهر السنيّة : ص ۲۸ وتفسير نور الثقلين : ج ۲ ص ۴۱۲ : «ولَاُؤَدِّ بَنَّكَ» بدل «ولاُذينّك» وهو الأصحّ .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة المجلّد العاشر
    سایر پدیدآورندگان :
    رسول الموسوي، السید رضا الحسيني، عبدالهادي مسعودي، أحمد الديلمي، محمّد رضا محسني نيا، محمّد رضا وهّابي
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4062
صفحه از 531
پرینت  ارسال به