اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَ تَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ » ۱ ؛ أي تَتوبونَ ، فَعِندَ ذلِكَ « قَالُواْ يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ » الآيَةَ . ۲ فَقالَ يَعقوبُ : « إِنِّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَ أَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ » ۳ ، فَانتَزَعَهُ حَذَراً عَلَيهِ مِن أن تَكونَ البَلوى مِنَ اللّهِ عز و جل عَلى يَعقوبَ في يوسُفَ خاصَّةً ؛ لِمَوقِعِهِ مِن قَلبِهِ وحُبِّهِ لَهُ .
قالَ : فَغَلَبَت قُدرَةُ اللّهِ وقَضاؤُهُ ونافِذُ أمرِهِ في يَعقوبَ ويوسُفَ وإخوَتِهِ ، فَلَم يَقدِر يَعقوبُ عَلى دَفعِ البَلاءِ عَن نَفسِهِ ولا عَن يوسُفَ ووُلدِهِ ، فَدَفَعَهُ إلَيهِم وهُوَ لِذلِكَ كارِهٌ مُتَوَقِّعٌ لِلبَلوى مِنَ اللّهِ في يوسُفَ .
فَلَمّا خَرَجوا مِن مَنزِلِهِم لَحِقَهُم مُسرِعاً ، فَانتَزَعَهُ مِن أيديهِم فَضَمَّهُ إلَيهِ وَاعتَنَقَهُ وبَكى ، ودَفَعَهُ إلَيهِم ، فَانطَلَقوا بِهِ مُسرِعينَ مَخافَةَ أن يَأخُذَهُ مِنهُم ولا يَدفَعَهُ إلَيهِم . فَلَمّا أمعَنوا بِهِ أتَوا بِهِ غَيضَةَ ۴ أشجارٍ ، فَقالوا : نَذبَحُهُ ونُلقيهِ تَحتَ هذِهِ الشَّجَرَةِ فَيَأكُلُهُ الذِّئبُ اللَّيلَةَ ، فَقالَ كَبيرُهُم : « لَا تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِى غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ » ۵ ، فانطَلَقوا بِهِ إلَى الجُبِّ فَأَلقَوهُ فيهِ وهُم يَظُنُّونَ أنَّهُ يَغرَقُ فيهِ ، فَلَمّا صارَ في قَعرِ الجُبِّ ناداهُم : يا وُلدَ رومينَ ! أقرِؤوا يَعقوبَ مِنِّي السَّلامَ ، فَلَمّا سَمِعوا كَلامَهُ قالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ : لا تَزالوا مِن هاهُنا حَتّى تَعلَموا أنَّهُ قَد ماتَ .
فَلَم يَزالوا بِحَضرَتِهِ حَتّى أمسَوا ورَجَعوا إلى أبيهِم « عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُواْ يَاأَبَانَآ إِنَّا