169
موسوعة معارف الکتاب و السنّة - المجلّد الأوّل

۵ . تقويم أحاديث الصبر على الاستئثار

تضمّن الفصل الرابع من هذا القسم أحاديث أخبر فيها النبيّ صلى الله عليه و آله عن وقوع آفة الاستئثار وظهورها في الاُمّة الإسلامية ، وقد نَسبت هذه الأحاديث إلى النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه أمر الناس أن يصبروا لما يصيبهم من أثَرَة الاُمراء وأنّه لا يحقّ لهم الاعتراض على استبداد هؤلاء الحكّام وأثَرتهم ، وإنّما عليهم الإذعان والصبر حتّى يوم القيامة!
ما توفّرنا على ذكره في هذا الفصل لا يزيد على أنّه نموذج لهذا النمط من الروايات فحسب ، ومن يروم الاطّلاع على كلّ ما جاء بهذا الشأن فبمقدوره أن يراجعها في المصادر التي أشرنا إليها في الهوامش .
إنّ عملية تحليل هذه الأحاديث ونقدها وتقويمها تتطلّب المكوث عند نقاط كثيرة جديرة بالبحث والتأمّل ، الأمر الذي يجعل عملية التقويم الكامل والاستيفاء النقدي الشامل لهذه الأحاديث رهنا بفرصة سانحة لا مجال لها هنا ۱ ، وإنّما نكتفي هنا بالإشارة إلى عدد من النقاط المهمّة نذكرها كما يلي :

أ ـ فصل الدين عن السياسة

ممّا لا ريب فيه أنّ مقتضى الإذعان إلى الأحاديث التي تأمر المسلمين بالصبر على أثرة الحكّام والتسليم لظلمهم والانقياد لما يبرز منهم من استغلال وتغييب للعدالة ، هو فصل الدين عن السياسة ، لهذا تجد أنّ المحدّثين والفقهاء والذين آمنوا بهذه الأحاديث أفتوا بعدم جواز خروج المسلمين على حكّامهم مهما بلغ هؤلاء الحكّام من الإجحاف والظلم ، وأنّه لا يحقّ لهم الاعتراض عليهم مهما بلغ الحال ، ويحرم عليهم كسر إسار الطاعة لهؤلاء الحكّام وإن جاروا ، وفيما يلي نقدّم عددا

1.راجع : القيادة في الإسلام : ص ۱۳۳ (الفصل الثالث : مؤامرتان خطرتان).


موسوعة معارف الکتاب و السنّة - المجلّد الأوّل
168

جهودهما للحؤول دون بروز الاستئثار والفردية والاستبداد بين قادة النظام الإسلامي الجديد ، وبذلا ما بوسعهما لوأد هذه الخصلة الخطيرة المدمّرة ، حتى بلغ من حرص نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله على محاصرة هذه الآفة الخطيرة ، أنّه كان يتحرّز عن كلّ ما يمكن أن تفوح منه رائحة هذه الخصلة الذميمة ، حتّى أنّه لم يكن يسمح لأحد أن يقدّمه على نفسه في شيء .
من الأمثلة البليغة الدالّة على سعي النبيّ لمكافحة هذه الآفة واجتثاث أدنى ما يمكن أن يمتّ إليها بصلة ، رفض النبيّ صلى الله عليه و آله أن يتناول من رجل شسعا من نعله قدّمه إليه ، بعد أن انقطع شِسْعُهُ صلى الله عليه و آله وهو يطوف بالبيت ، قائلاً في جوابه :
هذِهِ أثَرَةٌ ، ولا أقبَلُ أثَرَةً. ۱
عندما ننتقل إلى حياة أهل بيت رسول اللّه ـ صلوات اللّه عليه وعليهم ـ ، نجدها تتألّق بسيرة لا ترفض الاستئثار والفردية وتصرّ على اجتنابهما فحسب ، بل تسجّل إيثارهم بحقوقهم الخاصّة أيضا .
من هنا يبدو أنّ دراسة السيرة العملية لهؤلاء الكرام والتعرّف عليها في مجال مكافحة الاستئثار وإيثار الآخرين مهمّة تربوية عاجلة حافلة بالعظات والعبر خاصّة للقادة والحاكمين .
لكن وا أسفاه! فقد تنكّب قادة الاُمّة الإسلامية عن هذا الصراط السويّ ولم يتّبعوا سيرة هؤلاء الكرام ولم يقتفوا منهاجهم ، فكان المآل كما أخبر النبيّ صلى الله عليه و آله وتنبّأ به إذ ابتُلي هؤلاء بالاستئثار ، ونزل بالإسلام والمسلمين ما نزل بهما في وقائع التاريخ الفجيع !

1.راجع : ص ۱۸۱ ح ۱۰۳.

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    رسول الموسوي، السید رضا الحسيني، عبدالهادي مسعودي، أحمد الديلمي، محمّد رضا محسني نيا، محمّد رضا وهّابي
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6547
صفحه از 671
پرینت  ارسال به