15
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الأوّل

بنظر الاعتبار هذه القابلية الثقافية ، فسينكشف لنا سرّ الحديث النبويّ المكتوب على يمين العرش والذي ذكر فيه الحسين عليه السلام باعتباره مصباح الهدى وسفينة النجاة :
إنَّ الحُسَينَ بنَ عَليٍّ عليه السلام في السَّماءِ أكبَرُ مِنهُ فِي الأَرضِ ؛ وإنَّهُ لَمَكتوبٌ عَن يَمينِ عَرشِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ : مِصباحُ هُدىً ، وسَفينَةُ نَجاةٍ . ۱
ولا شكّ في أنّ جميع أئمّة أهل البيت عليهم السلام هم مصابيح الهدى وسفن النجاة ، إلّا أنّ القابلية الثقافية الواسعة لتاريخ عاشوراء أدّت إلى أن يسجَّل اسم الإمام الحسين عليه السلام باعتباره مصباح الهدى وسفينة النجاة . ۲
وهكذا فإنّ الاستغلال الصحيح للقابليّات الثقافية لتاريخ عاشوراء ، ليس بإمكانه أن ينقذ العالم الإسلامي فحسب ، بل هو كفيل بأن ينقذ العالم كلّه من الطريق الثقافي والسياسي والاجتماعي المسدود الذي ابتلي به اليوم .
وهذا هو السرّ في كلّ هذا التأكيد من قبل أهل البيت عليهم السلام على إحياء عاشوراء ، ۳ والتوجّه إلى كربلاء وزيارة سيّد الشهداء . ۴

1.راجع : ص ۳۵۷ ح ۴۲۸ .

2.. ينبغي الالتفات إلى أنّ ما اشتهر على ألسنة عدد من الخطباء من أنّ «أهل البيت سفن النجاة ، ولكن سفينة الحسين عليه السلام أوسع وأسرع» لم يؤثر عن أهل البيت ، وممّا يجدر ذكره أنّه قد اتّضح بعد البحث المتواصل عن مصدر هذا القول أنّه تحليل للشيخ جعفر التستري رحمه الله(ت ۱۳۳۵ ه . ق) للدور الثقافي الفاعل لعاشوراء وشخصيّة سيّد الشهداء عليه السلام في هداية البشرية ونجاتها ، وهذا هو نصّ كلام التستري في كتاب الخصائص الحسينية : «فرأيت في الحسين عليه السلام خصوصية في الوسيلة إلى اللّه ، اتّصف بسببها بأنّه بالخصوص باب من أبواب الجنّة وسفينة للنجاة ومصباح للهدى ، فالنبي والأئمّة عليهم السلام كلّهم أبواب الجنان ؛ لكنّ باب الحسين أوسع ، وكلّهم سفن النجاة ؛ لكنّ سفينة الحسين مجراها في اللجج الغامرة أسرع ، ومرساها على السواحل المنجية أيسر ، وكلّهم مصابيح الهدى ؛ لكنّ الاستضاءة بنور الحسين أكثر وأوسع ، وكلّهم كهوف حصينة ؛ لكنّ منهاج كهف الحسين أسمح وأسهل» (الخصائص الحسينية : ص ۱۴).

3.. راجع : ج ۶ ص ۲۵۵ (القسم الحادي عشر/ السير التاريخي لمراسم عزاء الإمام الحسين عليه السلام ) .

4.. راجع : ج ۷ ص ۲۰۵ ( القسم الثالث عشر/ المدخل ) .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الأوّل
14

ذلك هيّأ الأرضيّة لحادثة كربلاء طيلة نصف قرن بعد رحيل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولذلك فإنّ اللعنة في زيارة عاشوراء شملت العوامّ إلى جانب الخواصّ ، حيث ورد فيها :
يا أبا عَبدِ اللّهِ ، لَقَد عَظُمَتِ المُصيبَةُ بِكَ عَلَينا وَعَلى جَميعِ أهلِ السَّماواتِ ، فَلَعَنَ اللّهُ اُمَّةً أسَّسَت أساسَ الظُّلمِ وَالجَورِ عَلَيكُم أهلَ البَيتِ ، وَلَعَنَ اللّهُ اُمَّةً دَفَعَتكُم عَن مَقامِكُم وَأزالَتكُم عَن مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللّهُ فيها ، وَلَعَنَ اللّهُ اُمَّةً قَتَلَتكُم ، وَلَعَنَ اللّهُ المُمَهِّدينَ لَهُم بِالتَّمكينِ مِن قِتالِكُم . ۱
والمراد من مؤسّسي الظلم والجور على أهل البيت ، الخواصّ والبارزون في المجتمع الذين لعبوا الدور الأساسي في تغيير المجتمع المسلم ثقافيّاً وسياسيّا ، وتقصيرهم يفوق تقصير الذين كان لهم دور مباشر في مأساة كربلاء ، ولذلك فقد لُعنوا أكثر منهم .
وبناءً على ذلك ، فإنّ الرسالة الكبرى لعاشوراء إلى البارزين في المجتمعات المسلمة ، هي التحذير من خطر حبّ الدنيا ، وتوعية الشعوب المسلمة بشأن انحراف الخواصّ والبارزين ، وعلى الشعب الإيرانيّ ـ هذا الشعب الذي أقام ومن خلال اتّباع مدرسة عاشوراء ، النظامَ الإسلامي في هذا البلد ، والذي يقوم على تطلّعات أهل البيت وأهدافهم ، وسوف يهيّئ بإذن اللّه الأرضيّة للثورة الإسلاميّة العالميّة بقيادة الإمام المهديّ(عج) ـ أن يلتفت إلى هذه الرسالة المهمّة وهذا الدرس المصيريّ أكثر من أيّ شعبٍ آخر .

القابلية الثقافية لتاريخ عاشوراء

يظهر من خلال التأمّل فيما سبقت الإشارة إليه ، أنّ تاريخ عاشوراء يتمتّع بقدرة لا غنى عنها على هداية البشر، وبناء المجتمع الإنساني المثالي القائم على القيم الإسلاميّة ، وإذا ما أخذنا

1.كامل الزيارات : ص ۳۲۷ ح ۵۵۶ وراجع : هذه الموسوعة : ج ۸ ص ۱۲۲ (القسم الثالث عشر / الفصل الثاني عشر / زيارة عاشوراء برواية كامل الزيارات عن علقمة) وص ۱۲۶ (زيارة عاشوراء برواية مصباح المتهجّد عن علقمة). جدير بالذكر أنّ هذه الزيارة رويت عن علقمة عن الإمام الباقر عليه السلام .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4687
صفحه از 426
پرینت  ارسال به