359
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

وحصل شريك بن الأعور بها ، جاءه ابن زياد عائداً ، وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد اللعين عند حضوره لعيادة شريك، وأمكنه ذلك وتيسّر له، فما فعل واعتذر بعد فوت الأمر إلى شريك بأنّ ذلك فتك، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : إنّ الإيمان قيّد الفتك. ولو كان مسلم بن عقيل قتل ابن زياد ـ حيث كان في وسعه واتّفق مع شريك عليه ـ لتمّ الأمر ، ودخل الحسين عليه السلام الكوفة غير مدافع عنها، وحسر كلّ أحد قناعه في نصرته، واجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره مع أعدائه .
وقد كان مسلم بن عقيل أيضا لمّا حبس ابن زياد هانياً ، سار إليه في جماعة من أهل الكوفة، حتّى حصره في قصره وأخذ بكظمه، وأغلق ابن زياد الأبواب دونه خوفاً وجبنا حتّى بثّ الناس في كلّ وجه يرغّبون الناس ويرهّبونهم ويخذّلونهم عن ابن عقيل، فتقاعدوا عنه وتفرّق أكثرهم، حتّى أمسى في شرذمة، ثمّ انصرف وكان من أمره ما كان.
وإنّما أردنا بذكر هذه الجملة أنّ أسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة متوجّهة، وأنّ الاتّفاق عَكَسَ الأمرَ وقلبه حتّى تمّ فيه ما تمّ. وقد همّ سيّدنا أبو عبد اللّه عليه السلام لمّا عرف بقتل مسلم بن عقيل، واُشير عليه بالعود فوثب إليه عليه السلام بنو عقيل ، وقالوا : واللّه لا ننصرف حتّى ندرك ثأرنا، أو نذوق ما ذاق أبونا ، فقال عليه السلام : «لا خَيرَ فِي العَيشِ بَعدَ هؤُلاء» . ثمّ لحقه الحرّ بن يزيد ومن معه من الرجال الذين أنفذهم ابن زياد اللعين ومنعه من الانصراف، وسامه أن يقدمه على ابن زياد اللعين نازلاً على حكمه، فامتنع.
ولمّا رأى أن لا سبيل له إلى العود ولا إلى دخول الكوفة، سلك طريق الشام سائراً نحو يزيد بن معاوية اللعين ؛ لعلمه عليه السلام بأنّه على ما به أرأف من ابن زياد لعنه اللّه وأصحابه، فسار عليه السلام حتّى قدم عليه عمر بن سعد ـ لعنة اللّه عليه ـ في العسكر العظيم، وكان من أمره ما قد ذكر وسطّر . فكيف يقال إنّه عليه السلام ألقى بيده إلى التهلكة؟ وقد روي أنّه صلوات اللّه وسلامه عليه وآله قال لعمر بن سعد اللعين: «اختاروا منّي إمّا الرجوع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو أن أضع يدي في يد يزيد ، فهو ابن عمّي


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
358

ذكرناه ممّن تكلّم في هذا الباب؟
ثمّ لمّا علم بقتل مسلم بن عقيل عليه السلام وقد أنفذه رائداً له، كيف لم يرجع لمّا علم الغرور من القوم ، وتفطّن بالحيلة والمكيدة ، ثمّ كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها موادّ لها ، ثمّ لمّا عرض [عليه] ابن زياد اللعين الأمان وأن يبايع يزيد لعنه اللّه تعالى ، كيف لم يستجب حقناً لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه؟ ولِمَ ألقى بيده إلى التهلكة ، وبدون هذا الخوف سلّم أخوه الحسن عليه السلام الأمر إلى معاوية، فكيف يجمع بين فعليهما بالصحّة؟
(الجواب): قلنا قد علمنا أنّ الإمام متى غلب في ظنّه أنّه يصل إلى حقّه والقيام بما فوّض إليه بضرب من الفعل، وجب عليه ذلك وإن كان فيه ضرب من المشقّة يتحمّل مثلما تحمّلها ، وسيّدنا أبو عبداللّه عليه السلام لم يسر طالباً للكوفة، إلّا بعد توثّق من القوم وعهود وعقود، وبعد أن كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ، ومبتدئين غير مجيبين. وقد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة وأشرافها وقرّائها، تقدّمت إليه عليه السلام في أيّام معاوية وبعد الصلح الواقع بينه وبين الحسن عليه السلام ، فدفعهم وقال في الجواب ما وجب.۰
ثمّ كاتبوه بعد وفاة الحسن عليه السلام ومعاوية باق فوعدهم ومنّاهم، وكانت أيّاما صعبة لا يطمع في مثلها. فلمّا مضى معاوية ، عادوا المكاتبة وبذلوا الطاعة وكرّروا الطلب والرغبة ، ورأى عليه السلام من قوّتهم على من كان يليهم في الحال من قبل يزيد اللعين، وتشحّنهم عليه وضعفه عنهم، ما قوى في ظنّه أنّ المسير هو الواجب، تعيّن عليه ما فعله من الاجتهاد والتسبّب، ولم يكن في حسابه أنّ القوم يغدر بعضهم، ويضعف أهل الحقّ عن نصرته ، ويتّفق ما اتّفق من الاُمور الغريبة ، فإنّ مسلم بن عقيل رحمة اللّه عليه لمّا دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها .
ولمّا وردها عبيد اللّه بن زياد لعنة اللّه عليه وقد سمع بخبر مسلم ودخوله الكوفة وحصوله في دار هاني بن عروة المرادي رحمة اللّه عليه على ما شرح في السيرة ،

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4738
صفحه از 448
پرینت  ارسال به