وحصل شريك بن الأعور بها ، جاءه ابن زياد عائداً ، وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد اللعين عند حضوره لعيادة شريك، وأمكنه ذلك وتيسّر له، فما فعل واعتذر بعد فوت الأمر إلى شريك بأنّ ذلك فتك، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : إنّ الإيمان قيّد الفتك. ولو كان مسلم بن عقيل قتل ابن زياد ـ حيث كان في وسعه واتّفق مع شريك عليه ـ لتمّ الأمر ، ودخل الحسين عليه السلام الكوفة غير مدافع عنها، وحسر كلّ أحد قناعه في نصرته، واجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره مع أعدائه .
وقد كان مسلم بن عقيل أيضا لمّا حبس ابن زياد هانياً ، سار إليه في جماعة من أهل الكوفة، حتّى حصره في قصره وأخذ بكظمه، وأغلق ابن زياد الأبواب دونه خوفاً وجبنا حتّى بثّ الناس في كلّ وجه يرغّبون الناس ويرهّبونهم ويخذّلونهم عن ابن عقيل، فتقاعدوا عنه وتفرّق أكثرهم، حتّى أمسى في شرذمة، ثمّ انصرف وكان من أمره ما كان.
وإنّما أردنا بذكر هذه الجملة أنّ أسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة متوجّهة، وأنّ الاتّفاق عَكَسَ الأمرَ وقلبه حتّى تمّ فيه ما تمّ. وقد همّ سيّدنا أبو عبد اللّه عليه السلام لمّا عرف بقتل مسلم بن عقيل، واُشير عليه بالعود فوثب إليه عليه السلام بنو عقيل ، وقالوا : واللّه لا ننصرف حتّى ندرك ثأرنا، أو نذوق ما ذاق أبونا ، فقال عليه السلام : «لا خَيرَ فِي العَيشِ بَعدَ هؤُلاء» . ثمّ لحقه الحرّ بن يزيد ومن معه من الرجال الذين أنفذهم ابن زياد اللعين ومنعه من الانصراف، وسامه أن يقدمه على ابن زياد اللعين نازلاً على حكمه، فامتنع.
ولمّا رأى أن لا سبيل له إلى العود ولا إلى دخول الكوفة، سلك طريق الشام سائراً نحو يزيد بن معاوية اللعين ؛ لعلمه عليه السلام بأنّه على ما به أرأف من ابن زياد لعنه اللّه وأصحابه، فسار عليه السلام حتّى قدم عليه عمر بن سعد ـ لعنة اللّه عليه ـ في العسكر العظيم، وكان من أمره ما قد ذكر وسطّر . فكيف يقال إنّه عليه السلام ألقى بيده إلى التهلكة؟ وقد روي أنّه صلوات اللّه وسلامه عليه وآله قال لعمر بن سعد اللعين: «اختاروا منّي إمّا الرجوع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو أن أضع يدي في يد يزيد ، فهو ابن عمّي