251
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

وشية العار ، ولقي الحسين عليه السلام ربّه وقد أدّى ما عليه ، رمزا للخلود ومزيد الحبور في رضوان اللّه الأكبر . نعم ، لقي الحسين عليه السلام ربّه وهو ضحيّة تلك البيعة ـ بيعة يزيد ـ كما لقي أخوه الحسن عليه السلام ربّه مسموما من جرّاء تلكم البيعة الملعونة الّتي جرّت الويلات على اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله ، واستتبعت هدم الكعبة ، والإغارة على دار الهجرة يوم الحرّة ، وأبرزت بنات المهاجرين والأنصار للنكال والسوءة ، وأعظمها رزايا مشهد الطفّ الّتي استأصلت شأفة ۱ أهل بيت الرحمة صلوات اللّه عليهم ، وتركت بيوت الرسالة تنعق فيها النواعب ۲ ، وتندب النوادب ، وقرّحت الجفون ، وأسكبت المدامع ، « إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّـآ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ » ۳ «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَـلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ » ۴ .
نعم ، تمّت تلك البيعة المشؤومة مع فقدان أيّ جدارة وحنكة في يزيد تؤهّله لتسنّم عرش الخلافة ، على ما تردّى به من ملابس الخزي وشية العار ؛ من معاقرة الخمور ، ومباشرة الفجور ، ومنادمة القيان ذوات المعازف ، ومحارشة الكلاب ، إلى ما لا يتناهى من مظاهر الخزاية . وقد عرفته الناس بذلك كلّه منذ أوّليّاته وعرفه به اُناس آخرون ، وحسبك شهادة وفد بعثه أهل المدينة إلى يزيد ، وفيهم : عبداللّه بن حنظلة غسيل الملائكة ، وعبداللّه بن أبي عمرو المخزومي ، والمنذر بن الزبير ، وآخرون كثيرون من أشراف أهل المدينة ، فقدموا على يزيد فأكرمهم ، وأحسن إليهم ، وأعظمهم جوائزهم ، وشاهدوا أفعاله ، ثمّ انصرفوا من عنده وقدموا المدينة كلّهم إلّا المنذر .
فلمّا قدم الوفد المدينة قاموا فيهم ، فأظهروا شتم يزيد وعتبه ۵ ، وقالوا : إنّا قدمنا

1.استأصل اللّه شأفته : إذا حسم الأمر من أصله (لسان العرب : ج ۹ ص ۱۶۸ «شأف») .

2.النعاب : الغراب (لسان العرب : ج ۱ ص ۷۶۴ «نعب») .

3.البقرة: ۵۶ .

4.الشعراء : ۲۲۷ .

5.كذا في تاريخ الطبري ، وفي الكامل في التاريخ والبداية والنهاية : «شتم يزيد وعيبه» .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
250

فقد أبى ابن الزبير فأخرجت جائزة بني أسد ، وأبى عبداللّه بن عمر فأخرجت جائزة بني عديّ ، فما لنا إن أبى صاحبنا وقد أبى صاحب غيرنا ؟
فقال معاوية : لستم كغيركم ، لا واللّه لا اُعطيكم درهما حتّى يبايع صاحبكم .
فقال ابن عبّاس :
أما واللّه لئن لم تفعل لاُلحقنّ بساحل من سواحل الشام ، ثمّ لأقولنّ ما تعلم ، واللّه لأتركنّهم عليك خوارج .
فقال معاوية : لا بل اُعطيكم جوائزكم ، فبعث بها من الروحاء ، ومضى راجعا إلى الشام . ۱
قال الأميني : إنّ المستشفّ لحقيقة الحال من أمر هذه البيعة الغاشمة جدّ عليم أنّها تمّت برواعد الإرهاب ، وبوارق التطميع ، وعوامل البهت والافتراء ، فيرى معاوية يتوعّد هذا ، ويقتل ذاك ، ويولّي آخر على المدن والأمصار ويجعلها طعمة له ، ويدرّ من رضائخه ۲ على النفوس الواطئة ذوات الملكات الرذيلة . وفي القوم مَن لا يؤثّر فيه شيء من ذلك كلّه ، غير أنّه لا رأي لمن لا يطاع ، لكنّ إمام الهدى ، وسبط النبوّة ، ورمز الشهادة والإباء لم يفتأ بعد ذلك كلّه مصحرا بالحقيقة ، ومصارحا بالحقّ ، وداحضا للباطل مع كلّ تلكم الحنادس ۳ المدلهمّة ، أصغت إليه اُذنٌ أم لا ، وصغى إلى قيله أحد أو أعرض .
فقام بواجب الموقف رافعا عقيرته بما تستدعيه الحالة ، ويوجبه النظر في صالح المسلمين ، ولم يثنه اختلاق معاوية عليه وعلى مَن وافقه في شيءٍ من الأمر ، ولا ما أعدّه لهم من التوعيد والإرجاف بهم .
ولم تك تأخذه في اللّه لومة لائم ، حتّى لفظ معاوية نفسه الأخير رمزا للخزاية

1.الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۲۱۲ .

2.الرضخ : العطية القليلة (النهاية : ج ۲ ص ۲۲۸ «رضخ») .

3.الحندس : الليل الشديد الظلمة (الصحاح : ج ۳ ص ۹۱۶ «حدس») .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4594
صفحه از 448
پرینت  ارسال به