وشية العار ، ولقي الحسين عليه السلام ربّه وقد أدّى ما عليه ، رمزا للخلود ومزيد الحبور في رضوان اللّه الأكبر . نعم ، لقي الحسين عليه السلام ربّه وهو ضحيّة تلك البيعة ـ بيعة يزيد ـ كما لقي أخوه الحسن عليه السلام ربّه مسموما من جرّاء تلكم البيعة الملعونة الّتي جرّت الويلات على اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله ، واستتبعت هدم الكعبة ، والإغارة على دار الهجرة يوم الحرّة ، وأبرزت بنات المهاجرين والأنصار للنكال والسوءة ، وأعظمها رزايا مشهد الطفّ الّتي استأصلت شأفة ۱ أهل بيت الرحمة صلوات اللّه عليهم ، وتركت بيوت الرسالة تنعق فيها النواعب ۲ ، وتندب النوادب ، وقرّحت الجفون ، وأسكبت المدامع ، « إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّـآ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ » ۳ «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَـلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ » ۴ .
نعم ، تمّت تلك البيعة المشؤومة مع فقدان أيّ جدارة وحنكة في يزيد تؤهّله لتسنّم عرش الخلافة ، على ما تردّى به من ملابس الخزي وشية العار ؛ من معاقرة الخمور ، ومباشرة الفجور ، ومنادمة القيان ذوات المعازف ، ومحارشة الكلاب ، إلى ما لا يتناهى من مظاهر الخزاية . وقد عرفته الناس بذلك كلّه منذ أوّليّاته وعرفه به اُناس آخرون ، وحسبك شهادة وفد بعثه أهل المدينة إلى يزيد ، وفيهم : عبداللّه بن حنظلة غسيل الملائكة ، وعبداللّه بن أبي عمرو المخزومي ، والمنذر بن الزبير ، وآخرون كثيرون من أشراف أهل المدينة ، فقدموا على يزيد فأكرمهم ، وأحسن إليهم ، وأعظمهم جوائزهم ، وشاهدوا أفعاله ، ثمّ انصرفوا من عنده وقدموا المدينة كلّهم إلّا المنذر .
فلمّا قدم الوفد المدينة قاموا فيهم ، فأظهروا شتم يزيد وعتبه ۵ ، وقالوا : إنّا قدمنا
1.استأصل اللّه شأفته : إذا حسم الأمر من أصله (لسان العرب : ج ۹ ص ۱۶۸ «شأف») .
2.النعاب : الغراب (لسان العرب : ج ۱ ص ۷۶۴ «نعب») .
3.البقرة: ۵۶ .
4.الشعراء : ۲۲۷ .
5.كذا في تاريخ الطبري ، وفي الكامل في التاريخ والبداية والنهاية : «شتم يزيد وعيبه» .