249
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

فحذر القوم ذلك ، فلمّا كان العشيّ خرج معاوية ، وخرج معه هؤلاء النفر وهو يضاحكهم ويحدّثهم وقد ألبسهم الحلل ، فألبس ابن عمر حلّة حمراء ، وألبس الحسين عليه السلام حلّة صفراء ، وألبس عبداللّه بن عبّاس حلّة خضراء ، وألبس ابن الزبير حلّة يمانيّة ، ثمّ خرج بينهم ، وأظهر لأهل الشام الرضا عنهم ـ أي القوم ـ وأنّهم بايعوا ، فقال :
يا أهل الشام ، إنّ هؤلاء النفر دعاهم أمير المؤمنين فوجدهم واصلين مطيعين ، وقد بايعوا وسلّموا ذلك .
والقوم سكوت لم يتكلّموا شيئا حذر القتل .
فوثب اُناس من أهل الشام ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن كان رابك منهم ريب ، فحل بيننا وبينهم حتّى نضرب أعناقهم .
فقال معاوية :
سبحان اللّه ! ما أحلّ دماء قريش عندكم يا أهل الشام ! لا أسمع لهم ذكرا بسوء ، فإنّهم قد بايعوا وسلّموا ، وارتضوني فرضيت عنهم ، رضي اللّه عنهم .
ثمّ ارتحل معاوية راجعا إلى مكّة ، وقد أعطى الناس اُعطياتهم وأجزل العطاء ، وأخرج إلى كلّ قبيلة جوائزها واُعطياتها ، ولم يخرج لبني هاشم جائزة ولا عطاء ، فخرج عبداللّه بن عبّاس في أثره حتّى لحقه بالروحاء ۱ فجلس ببابه ، فجعل معاوية يقول : مَن بالباب ؟ فيقال : عبداللّه بن عبّاس ، فلم يأذن لأحد ، فلمّا استيقظ قال : مَن بالباب ؟ فقيل : عبداللّه بن عبّاس ، فدعا بدابّته فاُدخلت إليه ، ثمّ خرج راكبا ، فوثب إليه عبداللّه بن عبّاس ، فأخذ بلجام البغلة ، ثمّ قال : أين تذهب ؟ قال : إلى مكّة ، قال : فأين جوائزنا كما أجزت غيرنا ؟ فأومأ إليه معاوية ، فقال : واللّه ، ما لكم عندي جائزة ولا عطاء حتّى يبايع صاحبكم .
قال ابن عبّاس :

1.الرَّوحاء : لمّا رجع تُبّع من قتال أهل المدينة يريد مكّة نزل بالروحاء فأقام بها وأراح ، فسمّاها الروحاء (معجم البلدان : ج ۳ ص ۷۶) .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
248

أقم على رأس كلِّ رجل من هؤلاء رجلين ومع كلِّ واحدٍ سيف ، فإن ذهب رجل منهم يردُّ عليَّ كلمة بتصديقٍ أو تكذيب فليضرباه بسيفهما .
ثمّ خرج وخرجوا معه حتّى رقى المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :
إنَّ هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم ، لايبتزّ أمر دونهم ، ولا يفضى إلّا عن مشورتهم ، وإنّهم قد رضوا وبايعوا ليزيد ، فبايعوا على اسم اللّه !
فبايع الناس ، وكانوا يتربّصون بيعة هؤلاء النفر . ثمّ ركب رواحله وانصرف إلى المدينة ، فلقي الناس اُولئك النفر فقالوا لهم : زعمتم أنّكم لا تبايعون ، فلِمَ رضيتم وأعطيتم وبايعتم ۱ ؟! قالوا : واللّه ، ما فعلنا ، فقالوا : ما منعكم أن تردّوا على الرّجل ؟ قالوا : كادنا وخفنا القتل .
وبايعه أهل المدينة ، ثمّ انصرف إلى الشام وجفا بني هاشم. فأتاه ابن عبّاس فقال له : ما بالك جفوتنا ؟ قال : إنّ صاحبكم ـ يعني الحسين عليه السلام ـ لم يبايع ليزيد فلم تنكروا ذلك عليه . فقال :
يا معاوية ! إنّي لخليق أن أنحاز إلى بعض السواحل فاُقيم به ، ثمّ أنطق بما تعلم حتّى أدع الناس كلّهم خوارج عليك .
قال : يا أبا العبّاس ، تُعطون وترضون وترادون . ۲
وجاء في لفظ ابن قتيبة : إنّ معاوية نزل عن المنبر وانصرف ذاهبا إلى منزله ، وأمر من حرسه وشرطته قوما أن يحضروا هؤلاء النفر الّذين أبوا البيعة ، وهم : الحسين بن عليّ عليه السلام ، وعبداللّه بن عمر ، وعبداللّه بن الزبير ، وعبداللّه بن عبّاس ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وأوصاهم معاوية قال :
إنّي خارج العشيّة إلى أهل الشام فاُخبرهم أنّ هؤلاء النفر قد بايعوا وسلّموا ، فإن تكلّم أحد منهم بكلام يصدّقني أو يكذّبني فيه فلا ينقضي كلامه حتّى يطير رأسه .

1.كذا في الكامل ، وفي العقد الفريد : «فلمّا دُعيتم واُرضيتم بايعتم» .

2.الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۱۱ ، العقد الفريد : ج ۳ ص ۳۵۹ .

تعداد بازدید : 4799
صفحه از 448
پرینت  ارسال به