أبو بكر ما لم يصنعه رسول اللّه ، وصنع عمر ما لم يصنعه أبو بكر ، كلّ ذلك يصنعون نظرا للمسلمين ، فلذلك رأيت أن اُبايع ليزيد لما وقع الناس فيه من الاختلاف ، ونظرا لهم بعين الإنصاف . ۱
رحلة معاوية الثانية وبيعة يزيد فيها
قال ابن الأثير : فلمّا بايعه أهل العراق والشام ، سار معاوية إلى الحجاز في ألف فارس ، فلمّا دنا من المدينة لقيه الحسين بن عليّ عليه السلام أوَّل الناس ، فلمّا نظر إليه قال : لا مرحبا ولا أهلاً ! بُدنة يترقرق دمها واللّه مهريقه ! قال : مهلاً ، فإنّي واللّه لست بأهلٍ لهذه المقالة ! قال : بلى ولشرٍّ منها .
ولقيه ابن الزبير ، فقال : لا مرحبا ولا أهلاً ، خبّ ضبّ ۲ تلعة ۳ ، يدخل رأسه ، ويضرب بذنبه ، ويوشك واللّه أن يؤخذ بذنبه ويدقّ ظهره ، نحّياه عنّي . فضرب وجه راحلته .
ثمّ لقيه عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال له معاوية : لا أهلاً ولا مرحبا ، شيخ قد خرف وذهب عقله ، ثمّ أمر فضُرب وجه راحلته . ثمّ فعل بابن عمر نحو ذلك . فأقبلوا معه لا يلتفت إليهم حتّى دخل المدينة ، فحضروا بابه فلم يؤذن لهم على منازلهم ، ولم يروا منه ما يحبّون ، فخرجوا إلى مكّة فأقاموا بها .
وخطب معاوية بالمدينة فذكر يزيد فمدحه ، وقال :
من أحقّ منه بالخلافة في فضله وعقله وموضعه ؟ وما أظنّ قوما بمنتهين حتّى
1.الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۲۰۴ ـ ۲۱۲ ، تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۳۰۳ وراجع : المعجم الكبير : ج ۱۹ ص ۳۵۶ ح ۸۳۳ .
2.فلانٌ خبٌّ ضبٌّ : إذا كان فاسدا مفسدا مُراوِغاً (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۴۸۷ «خبب») .
3.التلِع : الكثِر التلفّت حوله (لسان العرب : ج ۸ ص ۳۶ «تلع») .