إنّك واللّه لوددنا أن نكلك إلى اللّه فيما جسرت عليه من أمر يزيد ، والّذي نفسي بيده لتجعلنّها شورى أو لأعيدها جذَعةً ۱ .
ثمّ قام ليخرج فتعلّق معاوية بطرف ردائه ، ثمّ قال :
على رسلك ، اللّهمّ اكفنيه بما شئت ، لا تظهرنّ لأهل الشام ؛ فإنّي أخشى عليك منهم .
ثمّ قال لابن الزبير نحو ما قاله لابن عمر ، ثمّ قال له :
أنت ثعلب روّاغ ، كلّما خرجت من جُحر انجحرت في آخر ، أنت ألّبت هذين الرجلين ، وأخرجتهما إلى ما خرجا إليه .
فقال ابن الزبير :
أتريد أن تبايع ليزيد ؟ أرأيت إن بايعناه أيّكما نطيع ، أنطيعك أم نطيعه ؟ ! إن كنت مللت الخلافة فاخرج منها وبايع ليزيد فنحن نبايعه .
فكثر كلامه وكلام ابن الزبير ، حتّى قال له معاوية في بعض كلامه : واللّه ، ما أراك إلّا قاتلاً نفسك ، ولكأنّي بك قد تخبّطت في الحبالة ۲ . ثمّ أمرهم بالانصراف ، واحتجب عن الناس ثلاثة أيّام لا يخرج .
ثمّ خرج ، فأمر المنادي أن ينادي في الناس أن يجتمعوا لأمرٍ جامع ، فاجتمع الناس في المسجد ، وقعّد هؤلاء ۳ حول المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ ذكر يزيد فضله وقراءته القرآن ، ثمّ قال :
يا أهل المدينة ! لقد هممت بيعة يزيد وما تركت قرية ولا مدرة ۴ إلّا بعثت إليها بيعته ،
1.أعدت الأمر جَذَعا : أي جديدا كما بدأ (لسان العرب : ج ۸ ص ۴۴ «جذع») .
2.الحِبالة : ما يُصاد بها من أيّ شيء كان (النهاية : ج ۱ ص ۳۳۳ «حبل») .
3.يعني المتخلّفين عن بيعة يزيد .
4.العرب تسمّي القرية مدرة ؛ لأنّ بنيانها غالبا من المدر [أي الطين] (المجموع : ج ۱۸ ص ۵۴) .