أمّا بعد ، فالحمد للّه وليّ النعم ، ومنزل النقم ، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه المتعالي عمّا يقول الملحدون علوّا كبيرا ، وأنّ محمّدا عبده المختصّ المبعوث إلى الجنّ والإنس كافّة ، لينذرهم بقرآنٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيمٍ حميد ، فأدّى عن اللّه وصدع بأمره ، وصبر عن الأذى في جنبه ، حتّى أوضح دين اللّه ، وأعزّ أولياءه ، وقمع المشركين ، وظهر أمر اللّه وهم كارهون .
فمضى صلوات اللّه عليه وقد ترك من الدنيا ما بذل له ، واختار منها الترك لما سخّر له زهادةً واختيارا للّه ، وأنفة واقتدارا على الصبر ، بُغيا لما يدوم ويبقى ، فهذه صفة الرّسول صلى الله عليه و آله ، ثمّ خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكوك ، ۱ وبين ذلك خوض طولٍ ما عالجناه مشاهدةً ومكافحةً ومعاينةً وسماعا، وما أعلم منه فوق ما تعلمان.
وقد كان من أمر يزيد ما سبقتم إليه وإلى تجويزه ، وقد علم اللّه ما اُحاول به من أمر الرعيّة ، من سدّ الخلل ولمّ الصّدع بولاية يزيد ، بما أيقظ العين وأحمد الفعل ، هذا معناي في يزيد ، وفيكما فضل القرابة وحظوة العلم وكمال المروءة ، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ، ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما ، مع علمه بالسنّة وقراءة القرآن ، والحلم الّذي يرجح بالصمّ ۲ الصلاب .
وقد علمتما أنّ الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة ، قدّم على الصدّيق والفاروق ودونهما من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل ۳ ، مَن لم يقارب القوم ولم يعاندهم برتبة في قرابة موصولة ولا سنّة مذكورة ، فقادهم الرجل بإمرة ، وجمع بهم صلاتهم ، وحفظ عليهم فيئهم ، وقال ولم يقل معه ، وفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُسوة حسنة ، فمهلاً بني عبد المطّلب ! فأنا وأنتم شعبا نفع وجد ، ومازلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما ، فما يقول القائل إلّا بفضل قولكما ، فردّا على ذي رحم مستعتب ما يحمد به البصيرة في عتابكما ، وأستغفر اللّه لي ولكما .
1.كذا ، وفي الإمامة والسياسة : «وثالث مشكور» .
2.الصم في الحجر : الشدّة . وحجر أصمّ : صلب مصمت (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۳۴۶ «صمم») .
3.إشارة إلى تولية عمرو بن العاص غزوة ذات السلاسل .