239
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

أمّا بعد ، فالحمد للّه وليّ النعم ، ومنزل النقم ، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه المتعالي عمّا يقول الملحدون علوّا كبيرا ، وأنّ محمّدا عبده المختصّ المبعوث إلى الجنّ والإنس كافّة ، لينذرهم بقرآنٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيمٍ حميد ، فأدّى عن اللّه وصدع بأمره ، وصبر عن الأذى في جنبه ، حتّى أوضح دين اللّه ، وأعزّ أولياءه ، وقمع المشركين ، وظهر أمر اللّه وهم كارهون .
فمضى صلوات اللّه عليه وقد ترك من الدنيا ما بذل له ، واختار منها الترك لما سخّر له زهادةً واختيارا للّه ، وأنفة واقتدارا على الصبر ، بُغيا لما يدوم ويبقى ، فهذه صفة الرّسول صلى الله عليه و آله ، ثمّ خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكوك ، ۱ وبين ذلك خوض طولٍ ما عالجناه مشاهدةً ومكافحةً ومعاينةً وسماعا، وما أعلم منه فوق ما تعلمان.
وقد كان من أمر يزيد ما سبقتم إليه وإلى تجويزه ، وقد علم اللّه ما اُحاول به من أمر الرعيّة ، من سدّ الخلل ولمّ الصّدع بولاية يزيد ، بما أيقظ العين وأحمد الفعل ، هذا معناي في يزيد ، وفيكما فضل القرابة وحظوة العلم وكمال المروءة ، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ، ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما ، مع علمه بالسنّة وقراءة القرآن ، والحلم الّذي يرجح بالصمّ ۲ الصلاب .
وقد علمتما أنّ الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة ، قدّم على الصدّيق والفاروق ودونهما من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل ۳ ، مَن لم يقارب القوم ولم يعاندهم برتبة في قرابة موصولة ولا سنّة مذكورة ، فقادهم الرجل بإمرة ، وجمع بهم صلاتهم ، وحفظ عليهم فيئهم ، وقال ولم يقل معه ، وفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُسوة حسنة ، فمهلاً بني عبد المطّلب ! فأنا وأنتم شعبا نفع وجد ، ومازلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما ، فما يقول القائل إلّا بفضل قولكما ، فردّا على ذي رحم مستعتب ما يحمد به البصيرة في عتابكما ، وأستغفر اللّه لي ولكما .

1.كذا ، وفي الإمامة والسياسة : «وثالث مشكور» .

2.الصم في الحجر : الشدّة . وحجر أصمّ : صلب مصمت (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۳۴۶ «صمم») .

3.إشارة إلى تولية عمرو بن العاص غزوة ذات السلاسل .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
238

وأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر فخلا به ، قال : بأيّ يدٍ أو رجل تقدم على معصيتي ؟ فقال عبد الرحمن : أرجو أن يكون ذلك خيرا لي . فقال معاوية : واللّه ، لقد هممت أن أقتلك ! فقال : لو فعلت لأتبعك اللّه في الدنيا ولأدخلك في الآخرة النار . ثمّ خرج .
بقي معاوية يومه ذلك يُعطي الخواصّ . ويُدني بذمّة الناس ۱ . فلمّا كان صبيحة اليوم الثاني ، أمر بفراشٍ فوضع له ، وسوّيت مقاعد الخاصّة حوله وتلقاءه من أهله ، ثمّ خرج وعليه حلّةٌ يمانيّةٌ وعمامةٌ دكناء وقد أسبل طرفها بين كتفيه ، وقد تغلّف ۲ وتعطّر ، فقعد على سريره وأجلس كتّابه منه بحيث يسمعون ما يأمر به ، وأمر حاجبه أن لا يأذن لأحد من النّاس وإن قرب .
ثمّ أرسل إلى الحسين بن عليّ عليه السلام وعبداللّه بن عبّاس ، فسبق ابن عبّاس ، فلمّا دخل وسلّم عليه أقعده في الفراش على يساره ، فحادثه مليّا ، ثمّ قال :
يابن عبّاس ، لقد وفّر اللّه حظّكم من مجاورة هذا القبر الشريف ودار الرّسول صلى الله عليه و آله ، فقال ابن عبّاس : نعم أصلح اللّه أمير المؤمنين ! وحظّنا من القناعة بالبعض والتجافي عن الكلّ أوفر .
فجعل معاوية يحدّثه ويحيد به عن طريق المجاوبة ، ويعدل إلى ذكر الأعمار ۳ على اختلاف الغرائز والطبائع ، حتّى أقبل الحسين بن عليّ عليه السلام ، فلمّا رآه معاوية جمع له وسادة كانت عن يمينه ، فدخل الحسين عليه السلام وسلّم ، فأشار إليه فأجلسه عن يمينه مكان الوسادة ، فسأله معاوية عن حال بني أخيه الحسن عليه السلام وأسنانهم ، فأخبره ثمّ سكت ، ثمّ ابتدأ معاوية فقال :

1.كذا ، وفي الإمامة والسياسة : «ويعصي مذمّة الناس» .

2.يقال : تَغَلَّلتُ وتَغَلَّفتُ وتَغَلَّيتُ ؛ كلّه مِن الغالية ، وهو نوع من الطيب مركّب من مِسكٍ وعنبرٍ وعودٍ ودُهن . والتغلّف بها : التلطّخ (لسان العرب : ج ۱۵ ص ۱۳۴ «غلا») .

3.في الإمامة والسياسة : «ذكر الأعمال» .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6509
صفحه از 448
پرینت  ارسال به