بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر فأيّ الناس أفضل وأكمل وأحقّ بهذا الأمر من آل الرسول . وأيم اللّه ، لو ولّوه بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه ، لحقّه وصدقه ، ولاُطيع اللّه وعُصي الشيطان ، وما اختلف في الاُمّة سيفان ، فاتّق اللّه يا معاوية ! فإنّك قد صرت راعيا ونحن الرعيّة ، فانظر لرعيّتك ؛ فإنّك مسؤول عنها غدا . وأمّا ما ذكرت من ابنَي عمّي وتركك أن تحضرهما ، فواللّه ، ما أصبت الحقّ ، ولا يجوز لك ذلك إلّا بهما ، وإنّك لتعلم أنّهما معدن العلم والكرم ، فقُل أو دع ، وأستغفر اللّه لي ولكم .
فتكلّم عبداللّه بن الزبير ، فقال :
الحمد للّه الذي عرّفنا دينه ، وأكرمنا برسوله ، أحمده على ما أبلى وأولى ، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا عبده ورسوله .
أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة لقريش خاصّة ، تتناولها بمآثرها السنيّة وأفعالها المرضيّة ، مع شرف الآباء ، وكرم الأبناء ، فاتّق اللّه يا معاوية ! وأنصف من نفسك ؛ فإنّ هذا عبداللّه بن عبّاس ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهذا عبداللّه بن جعفر ذو الجناحين ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنا عبداللّه بن الزبير ابن عمّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعليُّ خلّف حسنا وحسينا ، وأنت تعلم مَن هما وما هما ، فاتّق اللّه يا معاوية ! وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك .
فتكلّم عبداللّه بن عمر ، فقال :
الحمد للّه الّذي أكرمنا بدينه وشرّفنا بنبيّه صلى الله عليه و آله .
أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ولا قيصريّة ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فواللّه ، ما أدخلني مع الستّة من أصحاب الشورى ، إلّا أنّ الخلافة ليست شرطا مشروطا ، وإنّما هي في قريش خاصّة ، لمن كان لها أهلاً ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، مَن كان أتقى وأرضى ، فإن كنتَ تريد الفتيان من قريش ، فلعمري إنّ يزيد من فتيانها ، واعلم أنّه لا يغني عنك من اللّه شيئا .