وعلى من خالف عنّا أعوانا ، يُشدّ بنا العضد ، ويُقام منّا الأوَد ۱
، ونستشار في القضيّة ، ونستأمر في أمر الرعيّة ، وقد أصبحنا اليوم في اُمور مستخيرة ، ذات وجوه مستديرة ، تفتح بأزمّة الضّلال ، وتجلس بأسوأ الرجال ، يؤكل جزورها وتُمقّ ۲ أحلابها ، فما لنا لا نُستأمر في رضاعها ، ونحن فطامها وأولاد فطامها ؟ وايم اللّه ! لولا عهودٌ مؤكّدة ومواثيق معقّدة ، لأقمت أوَد وليّها ، فأقم الأمر يابن أبي سفيان ، واهدأ من تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نظرا ، وأنّ لهم على مناوأتك ۳ وزرا ۴ .
فغضب معاوية من كلامه غضبا شديدا ، ثمّ كظم غيظه بحلمه ، وأخذ بيد مروان ثمّ قال :
إنّ اللّه قد جعل لكلّ شيء أصلاً ، وجعل لكلّ خيرٍ أهلاً ، ثمّ جعلك في الكرم منّي محتدا ۵ ، والعزيز منّي والدا ، اخترت من قروم ۶ قادة ، ثمّ استللت سيّد سادة ، فأنت ابن ينابيع الكرم ، ۷ فمرحبا بك وأهلاً من ابن عمّ ، ذكرت خلفاء مفقودين ، شهداء صدّيقين ، كانوا كما نعتّ ، وكنت لهم كما ذكرت ، وقد أصبحنا في اُمور مستخيرة ذات وجوهٍ مستديرة ، وبك واللّه يابن العمّ نرجو استقامة أوَدها ، وذلولة صعوبتها ،
1.الأوَد : العِوَج (النهاية : ج ۱ ص ۷۹ «أود») .
2.امتقّ الفَصيلُ ما في ضرع اُمّه : أي شربه كلّه (الصحاح : ج ۴ ص ۱۵۵۶ «مقق») . والمراد أنّ معاوية يستأثر بكلّ شيء في الخلافة ولا يترك لمروان منها شيئا .
3.ناوأت الرجل مناوءة ونواء : عاديته (الصحاح : ج ۱ ص ۷۹ «نوأ») .
4.الوزر : الملجأ (الصحاح : ج ۲ ص ۸۴۵ «وزر») .
5.المَحتِد : الأصل والطبع (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۲۸۶ «حتد») .
6.القَرْمُ : أي المقدّم في الرأي (النهاية : ج ۴ ص ۴۹ «قرم») .
7.قايسوا هذه الأكاذيب والخُزعبلات مع ما جاء عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله حول الطريد ابن الطريد (مروان بن الحكم) ، حيث قال : «الوَزَغُ ابنُ الوَزَغِ ، اللَّعينُ ابن اللَّعينِ» (المستدرك على الصحيحين : ج۴ ص۴۷۹ وراجع : الصواعق المحرقة : ص۱۰۸ ، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۲ ص۵۶ و حياة الحيوان : ج۲ ص۳۹۹) .