225
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

فلمّا جلس معاوية للناس ، تكلّم فعظّم أمر الإسلام وحرمة الخلافة وحقّها ، وما أمر اللّه به من طاعة ولاة الأمر ، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة ، وعرّض ببيعته ، فعارضه الضحّاك ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :
يا أمير المؤمنين ، إنّه لابدّ للناس من والٍ بعدك ، وقد بلونا الجماعة والاُلفة فوجدناهما أحقن للدماء ، وأصلح للدهماء ۱ ، وآمن للسبل ، وخيرا في العاقبة ، والأيّام عوج رواجع ، واللّه كلّ يوم هو في شأن ، ويزيد ابن أمير المؤمنين في حسن هديه وقصد سيرته على ما علمت ، وهو من أفضلنا علما وحلما ، وأبعدنا رأيا ، فولّه عهدك ، واجعله لنا علما بعدك ، ومفزعا نلجأ إليه ، ونسكن في ظلّه .
وتكلّم عمرو بن سعيد الأشدق بنحوٍ من ذلك . ثمّ قام يزيد بن المقنع العذري ، فقال :
هذا أمير المؤمنين ـ وأشار إلى معاوية ـ فإن هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ومَن أبى فهذا ـ وأشار إلى سيفه ـ . فقال معاوية : اجلس فأنت سيّد الخطباء . وتكلّم من حضر من الوفود .
فقال معاوية للأحنف : ما تقول يا أبا بحر ؟ فقال :
نخافكم إن صدقنا ، ونخاف اللّه إن كذبنا ، وأنت أمير المؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره ، وسرِّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه ، فإن كنت تعلمه للّه تعالى وللاُمّة رضىً فلا تشاور فيه ، وإن كنت تعلم فيه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت صائرٌ إلى الآخرة ، وإنّما علينا أن نقول : سمعنا وأطعنا .
وقام رجلٌ من أهل الشام فقال :
ما ندري ما تقول هذه المعديّة العراقيّة ، وإنّما عندنا سمع وطاعة وضرب وازدلاف .
فتفرّق الناس يحكون قول الأحنف . وكان معاوية يعطي المقارب ويُداري المباعد ويلطف به ، حتّى استوثق له أكثر الناس وبايعه . ۲

1.الدَّهماء : الفتنة المظلِمة (النهاية : ج ۲ ص ۱۴۶ «دهم») .

2.العقد الفريد : ج ۳ ص ۳۵۷ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۱۱ .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
224

إنّ أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يألُ ، وقد استخلف ابنه يزيد بعده .
فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال :
كذبت واللّه يا مروان وكذب معاوية ! ما الخيار أردتما لاُمّة محمّد ، ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقليّة كلّما مات هرقل قام هرقل .
فقال مروان :
هذا الّذي أنزل اللّه فيه : «وَ الَّذِى قَالَ لِوَ لِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا» ۱ الآية .
فسمعت عائشة مقالته من وراء الحجاب ، وقالت : يا مروان ! يا مروان ! فأنصت الناس وأقبل مروان بوجهه ، فقالت :
أنت القائل لعبد الرحمن إنّه نزل فيه القرآن ؟ كذبت واللّه ما هو به ، ولكنّه فلان بن فلان ، ولكنّك أنت فضض ۲ من لعنة نبيّ اللّه .
وقام الحسين بن عليّ عليه السلام فأنكر ذلك ، وفعل مثله ابن عمر وابن الزبير ، فكتب مروان بذلك إلى معاوية ، وكان معاوية قد كتب إلى عمّاله بتقريظ يزيد ووصفه ، وأن يوفدوا إليه الوفود من الأمصار ، فكان فيمن أتاه محمّد بن عمرو بن حزم من المدينة ، والأحنف بن قيس في وفد أهل البصرة . فقال محمّد بن عمرو لمعاوية :
إنّ كلّ راع مسؤول عن رعيّته ، فانظر من تولّي أمر اُمّة محمّد .
فأخذ معاوية بُهر ۳ حتّى جعل يتنفّس في يومٍ شاتٍ ، ثمّ وصَله وصرَفه .
وأمر الأحنف أن يدخل على يزيد ، فدخل عليه ، فلمّا خرج من عنده قال له : كيف رأيت ابن أخيك ؟ قال : رأيت شبابا ونشاطا وجلدا ومزاحا .
ثمّ إنّ معاوية قال للضحّاك بن قيس الفهري لمّا اجتمع الوفود عنده :
إنّي متكلّم ، فإذا سكتُّ فكن أنت الّذي تدعو إلى بيعة يزيد وتحثّني عليها .

1.الأحقاف : ۱۷ .

2.فَضَضٌ من لعنة اللّه : أي قطعة منها (القاموس المحيط : ج ۲ ص ۳۴۰ «فضض») .

3.البُهرُ : ما يعتري الإنسان عند السعي الشديد والعدو من التهيّج وتتابع النَفَس (النهاية : ج ۱ ص ۱۶۵ «بهر») .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6490
صفحه از 448
پرینت  ارسال به