فقال له عُبيد : أفلا غير هذا ؟ قال : وما هو ؟ قال : لا تفسد على معاوية رأيه ، ولا تبغّض إليه ابنه ، وألقى أنا يزيد فاُخبره أنّ أمير المؤمنين كتب إليك يستشيرك في البيعة له ، وأنّك تتخوّف خلاف الناس عليه لِهَنات ۱ ينقمونها عليه ، وأنّك ترى له ترك ما ينقم عليه لتستحكم له الحجّة على الناس ، ويتمّ ما تريد ، فتكون قد نصحت أمير المؤمنين وسلمت ممّا تخاف من أمر الاُمّة .
فقال زياد : لقد رميت الأمر بِحُجرِهِ ، اشخَص على بركة اللّه ، فإن أصبت فما لا يُنكَر ، وإن يكن خطأ فغيرُ مُستَغَشٍّ ۲ ، وتقول بما ترى ، ويقضي اللّه بغيب ما يعلم .
فقدم على يزيد فذكر ذلك له ، فكفّ عن كثيرٍ ممّا كان يصنع ، وكتب زياد معه إلى معاوية يشير بالتُّؤَدَةِ ۳ وألّا يعجل ، فقبل منه ، فلمّا مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه يزيد ، فأرسل إلى عبداللّه بن عمر مئة ألف درهم فقبلها ، فلمّا ذكر البيعة ليزيد قال ابن عمر : هذا أراد ؟ ! إنّ ديني إذا لرخيص ! ! وامتنع . ۴
بيعة يزيد في الشام وقتل الحسن السبط دونها
لمّا اجتمعت عند معاوية وفود الأمصار بدمشق ـ بإحضارٍ منه ـ وكان فيهم الأحنف بن قيس ، دعا معاوية الضحّاك بن قيس الفهري فقال له :
إذا جلستُ على المنبر وفرغتُ من بعض موعظتي وكلامي فاستأذنّي للقيام ، فإذا أذنت لك ، فاحمد اللّه تعالى واذكر يزيد ، وقل فيه الّذي يحقُّ له عليك من حسن الثناء عليه ، ثمّ ادعُني إلى توليته من بعدي ، فإنّي قد رأيت وأجمعت على توليته ، فأسأل اللّه في ذلك وفي غيره الخيرة وحسن القضاء .
ثمّ دعا عبد الرّحمن بن عثمان الثقفي ، وعبداللّه بن مسعدة الفزاري ، وثور بن
1.يقال : في فلان هَناتٌ : أي خِصال شرّ ، ولا يقال في الخير (النهاية : ج ۵ ص ۲۷۹ «هنا») .
2.استغشّه : خلاف استنصحه (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۱۳ «غشش») .
3.التؤدة : تقول : اتّأد وتوأد ؛ وهو التمهّل والتأنّي والرزانة (كتاب العين : ج ۸ ص ۹۷ «وأد») .
4.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۳۰۲ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۰۹ ، تاريخ دمشق : ج ۳۸ ص ۲۱۲ .